غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

90

ثم بين أن الإقرار والإنكار مستندان إلى مشيئته وتقديره فقال :{ ومن يهد الله } الآية . وقد مر خلاف المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة في مثله في آخر " الأعراف " وغيره . وقوه : { فهو المهتد } حمل على اللفظ وقوله : { فلن تجد } حمل على المعنى . والخطاب في { لن تجد } إما للنبي أو لكل من يستحق الخطاب . والأولياء الأنصار ، والحشر على الوجوه إما بمعنى السحب عليها كقوله : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } [ القمر : 48 ] وإما بمعنى المشي عليها كما روي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال : " إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " وقيل لابن عباس : قد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يرون وينطقون ويسمعون حيث قال : { رأى المجرمون النار } { دعوا هنالك ثبوراً } { سمعوا لها } الجمع بين ذاك تغيظاً وزفيراً فكيف وبين قوله : { عمياً وبكماً وصماً } ؟ فأجاب بأنهم لا يرون ما يسرهم ، ولا ينطقون بحجة تقبل منهم ، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم .

وفي رواية عطاء أنهم عمي عن النظر إلى ما جعله الله لأوليائه ، بكم عن مخاطبة الله ، ومخاطبة الملائكة المقربين ، صم عن ثناء الله على أوليائه ، وقال مقاتل : هذه الأحوال بعد قوله تعالى لهم : { اخسئووا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنون : 108 ] أو بعد أن يحاسبوا فيذهب بهم إلى النار . وإنما جعلوا مؤوفي الحواس جزاء على ما كانوا عليه في الدنيا من التعامي والتصامم عن الحق ومن عدم النطق به { كلما خبت } أي سكن لهبها . خبت النار تخبوا خبواً وأخباها غيرها أي أخمدها { زدناهم سعيراً } قال ابن قتيبة : أي تسعراً وهو التهلب . ولا ريب أن خبو النار تخفيف لأهليها فكيف يجمع بينه وبين قوله : { لا يخفف عنهم العذاب } [ البقرة : 162 ] وأجيب بأنه يحصل لهم في الحال الأولى خوف حصول الحالة الثانية فيستمر العذاب ، أو يقال : لما عظم العذاب صار التفاوت الحاصل في الوقتين غير مشعور به ، ويحتمل أن يقال : المراد بعدم التخفيف أنه لا يتخلل زمان محسوس أو معتد به بين الخبو والتعسر .وقال في الكشاف : لأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجرامهم تأكلها وتفنيها . ثم يعيدها . وفيه زيادة في تحسرهم وفي الانتقام منهم . ومما يدل على هذا التفسير قوله : { ذلك جزاؤهم } الآية .

/خ111