غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

والمراد من قوله { قل الله أعلم } أن لا تتجاوزوا الحق الذي أخبر الله به ولا تلتفتوا إلى ما سواه من اختلافات أهل الأديان نظيره قوله : { قل ربي أعلم بعدّتهم } بعد قوله : { سبعة وثامنهم كلبهم } قال النحويون : سنين عطف بيان لثلثمائة لأن مميز مائة وأخواتها مجرور مفرد . وقيل : فيه تقديم وتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة . ومن قرأ بالإضافة فعلى وضع الجميع موضع الجميع موضع الواحد في التمييز كما مر في قوله : { وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً } [ الأعراف :160 ] قوله : { وازدادوا تسعاً } أي تسع سنين لدلالة لما قبله عليه دون أن يقول " ولبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين " . فعن الزجاج المراد ثلثمائة بحساب السنين الشمسية وثلثمائة وتسع بالسنين القمرية وهذا شيء تقريبي . وقيل : إنهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قرب أمرهم من الانتباه .

ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين ، ثم أكد قوله : { الله أعلم بما لبثوا } بقوله : { له غيب السموات والأرض } أي ليس لغيره ما خفى فيهما من أحوالهما وأحوال سكانهما وهو مختص بذلك . ثم زاد في المبالغة فجاء بما دل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات . والضمير في قوله : { مالهم } لأهل السموات والأرض . وفيه بيان لكمال قدرته وأن الكل تحت قهره وتسخيره وأنه لا يتولى أمورهم غيره { ولا يشرك في حكمه } وقضائه قبل أصحاب الكهف { أحداً } منهم ومن قرأ { لا نشرك } على النهي فهو معطوف على { لا تقولن } والمراد أنه لا يسأل أحداً عما أخبره الله به من نبأ أصحاب الكهف . واقتصر على بيانه . وقيل : الضمير في مالهم لأصحاب الكهف أي أنه هو الذي حفظهم في ذلك النوم الطويل وتولى أمرهم . وقيل : ليس للمختلفين في مدة لبثهم من دون الله من يتولى أمورهم فكيف يعلمون هذه الواقعة من دون إعلامه ؟ ! وقيل : فيه نوع تهديد لأنهم لما ذكروا في هذا الباب أقوالاً على خلاف قول الله فقد استوجبوا العقاب فبين الله تعالى أنه : { ليس لهم من دونه ولي } يمنع العقاب عنهم . واعلم أن الناس اختلفوا في زمان لبث أصحاب الكهف في مكانهم فقيل : كانوا قبل موسى عليه السلام وأنه ذكرهم في التوراة فلهذا سألت اليهود ما سألوا وقيل : دخلوا الكهف قبل المسيح وأخبروه بخبرهم ثم لبثوا في الوقت الذي بين عيسى ومحمد عليهما السلام . وحكى القفال عن محمد بن إسحق أنهم دخلوا كهفهم بعد عيسى . وقيل : إنهم لم يموتوا ولا يموتون إلى يوم القيامة . وذكر أبو علي بن سينا في باب الزمان من كتاب الشفاء إن أرسطا طاليس الحكيم زعم أنه عرض لقوم من المتألهين حالة شبيهة بحالة أصحاب الكهف ثم قال أبو علي : ويدل التاريخ على أنهم كانوا قبل أصحاب الكهف . وأما المكان فحكى القفال عن محمد بن موسى الخوارزمي المنجم أن الواثق أنفذه إلى ملك الروم ليعرف أحوال أصحاب الكهف ، فوجهه مع طائفة إلى ذلك الموضع قال : وإن الرجل الموكل بذلك المقام فزعني من الدخول عليهم ، فدخلت فرأيت الشعور على صدورهم فعرفت أنه تمويه واحتيال وأن الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة الحافظة لأبدان الموتى عن البلى كالصبر وغيره . قلت : حين لم يملأ الخوارزمي رعباً من الاطلاع عليهم حصل القطع بأنهم ليسوا أصحاب الكهف والرقيم ، ولو صح ما حكينا عن معاوية حين غزا الروم حصل ظن غالب بأنهم منهم والله تعالى أعلم .

/خ26