ثم إن الله تعالى أجابهم بأشياء : أحدها قول { الله يستهزئ بهم } وهو استئناف في غاية الجزالة والفخامة ، كأنه سئل ما مصير أمرهم وعقبى حالهم ؟ فقيل : الله يستهزئ بهم . وفي الالتفات من الحكاية إلى المظهر ، أن الله عز وجل هو الذي يستهزئ بهم الاستهزاء الأبلغ الذي استهزاؤهم بالنسبة إلى ذلك كالعدم . وفي تخصيص الله بالذكر مع قرينة أن المؤمنين هم الذين استهزئ بهم دلالة على أن الله هو الذي يتولى الاستهزاء بهم انتقاماً للمؤمنين ، ولا يحوج المؤمنين أن يعارضوهم باستهزاء مثله . فإن قيل : الاستهزاء جهالة { قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين }
[ البقرة : 67 ] فما معنى استهزاء الله بهم ؟ قلنا : معناه إنزال الهوان والحقارة بهم وهو المقصد الأقصى للمستهزئ ، أو سمي جزاء الاستهزاء استهزاء مثل { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [ البقرة : 194 ] أو عاملهم الله معاملة المستهزئ في الدنيا لأنه كان يطلع الرسول على أسرارهم مع كونهم مبالغين في إخفائها ، وفي الآخرة على ما روي عن ابن عباس : إذا دخل المؤمنون الجنة والكافرون النار ، فتح الله من الجنة باباً على الجحيم في الموضع الذي هو مسكن المنافقين ، فإذا رأى المنافقون الباب مفتوحاً أخذوا يخرجون من الجحيم ويتوجهون إلى الجنة -وأهل الجنة ينظرون إليهم- فإذا وصلوا إلى باب الجنة فهناك يغلق دونهم الباب فذلك قوله تعالى { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون } [ المطففين : 34 ] فهذا هو الاستهزاء ، وإنما لم يقل الله مستهزئ ليكون طبقاً لقوله { إنما نحن مستهزئون } لأن المراد تجدد الاستهزاء بهم وقتاً بعد وقت ، وهكذا كانت نكايات الله فيهم ونزول الآيات في شأنهم { أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين } [ التوبة : 26 ]
{ يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون } [ التوبة : 64 ] وثانيها قوله و{ ويمدهم في طغيانهم } هو من مد الجيش أمده إذا زاده وألحق به ما يقوّيه ، وكذلك مد الدواة والسراج زادهما ما يصلحهما . وإنما قلنا : إنه من المدد لا من المد في العمر والإمهال لقراءة نافع في موضع آخر { وإخوانهم يمدونهم في الغي } [ الأعراف : 202 ] على أن الذي بمعنى أمهله إنما هو مد له مع اللام كأملى له قاله في الكشاف ، وهو مخالف لنقل الجوهري مده في غيه أي أمهله . والطغيان الغلو في الكفر ومجاوزة الحد في العتوّ ، ومعنى مدد الله تعالى إياهم في الطغيان يعرف من تفسير { ختم الله على قلوبهم } وقد يوجه بأنه لما منعهم ألطافه التي منحها المؤمنين بقيت قلوبهم يتزايد الرين والظلمة فيها تزايد الانشراح والنور في صدور المؤمنين ، فسمي ذلك التزايد مدداً . أو بأنه لم يقسرهم ، أو بأنه أسند فعل الشيطان إلى الله تعالى لأنه بتمكينه وإقداره ، ولا يخفى ما في هذا التوجيه من التكلف ، لأنه انتهاء الكل إلى مسبب الأسباب . ومن هذا القبيل ما قيل : إن النكتة في إضافة الطغيان إليهم هي أن يعلم أن التمادي في الضلالة مما اقترفته أنفسهم ، وأن الله بريء منه ، فإن الانتهاء إلى الله تعالى لما كان ضرورياً فكيف يتبرأ من ذلك ؟ { ويعمهون } في موضع الحال . والعمه كالعمى ، إلا أن العمى في البصر وفي الرأي ، والعمه في الرأي خاصة وهو التحير والتردد لا يدري أين يتوجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.