غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة البقرة وقد يقال السورة التي تذكر فيها البقرة مدنية غير آية نزلت يوم عرفة بمنى قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله حروفها 25500 كلماتها 6121 آياتها عند أهل الكوفة 286 .

1

التفسير وفيه أبحاث :

البحث الأول في { ألم } اعلم أن الألفاظ التي يتهجى بها في قولهم ( ألف ، با ، تا ، ثا ) أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة التي منها ركبت الكلم ، لأن الضاد مثلاً لفظ مفرد دال بالتواطؤ على معنى مستقل بنفسه غير مقترن بأحد الأزمنة ، وذلك المعنى هو الحرف الأول من ضرب مثلاً ، فيكون لفظ الضاد اسماً ، ولهذا قد يتصرف في بعضها بالإمالة نحو ( با ، تا ) وبالتفخيم نحو ( با ، تا ) وبالتعريف والتنكير والجمع والتصغير والوصف والإسناد إليه والإضافة . وقولهم ( با ، تا ، ثا ) متهجاة ومقصورة نحو ( لا ) ثم قولهم كتبت باء بالمد نحو كتبت ( لا ) لا يدل على أنها حروف مثل ( لا ) : فإنهم إنما قالوا كذلك في التهجي لكثرة الاستعمال واستدعائها التخفيف ، والذي رواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف " وأيضاً ما وقع في عبارات المتقدمين أنها حروف التهجي خليق بأن يصرف إلى التسامح والتجوز لأنه اسم للحرف وهما متلازمان ، أو لأن الحرف قد يطلق على الكلمة تسمية للجنس باسم النوع . ويحكى عن الخليل أنه سأل أصحابه : كيف تنطقون بالباء التي في ضرب ، والكاف التي في ذلك ؟ فقالوا : نقول باء ، كاف . فقال : إنما جئتم بالاسم لا الحرف . وقال : أقول : ب ، ك . ثم إنهم راعوا في هذه التسمية لطيفة ، وهي أنهم جعلوا المسمى صدر كل اسم منها إلا الألف فإنهم استعاروا الهمزة مكان مسماها ، لأنه لا يكون إلا ساكناً . ومما يضاهيها في إبداع اللفظ دلالة على المعنى البسملة والحيعلة والتهليل ونحوها . وحكم هذه الأسماء سكون الإعجاز ما لم تلها العوامل فيقال : ألف ، لام ، ميم موقوفاً عليها لفقد مقتضى الإعراب نحو . واحد ، اثنان ، ثلاثة ، دار ، ثوب ، جارية . فإذا وليتها العوامل أدركها الإعراب نحو : هذه ألف ، وكتبت ألفاً ، ونظرت إلى ألف . والدليل على أن سكونها وقف وليس ببناء أنها لو بنيت لحذي بها حذر " كيف " و " أين " و " هؤلاء " ولم يقل صاد ، قاف ، نون . مجموعاً فيها بين الساكنين .

وللناس في { الم } وما يجري مجراه من فواتح السور قولان : أحدهما أن هذا علم مستور وسر محجوب استأثر الله به ، والتخاطب بالحروف المفردة سنة الأحباب في سنن المحاب ، فهو سر الحبيب مع الحبيب بحيث لا يطلع عليه الرقيب :

بين المحبين سر ليس يفشيه *** قول ولا قلم للخلق يحكيه

عن أبي بكر ، في كل كتاب سر وسره في القرآن أوائل السور . وعن علي كرم الله وجهه : إن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي ، وقال بعض العارفين : العلم كبحر أجري منه واد ، ثم أجري من الوادي نهر ، ثم أجري من النهر جدول ، ثم أجري من الجدول ساقية . فالوادي لا يحتمل البحر ، والنهر لا يحتمل الوادي ، ولهذا قال عز من قائل : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } [ الرعد : 17 ] فبحور العلم عند الله تعالى فأعطى الرسل منها أودية ، ثم أعطى الرسل من أوديتهم أنهاراً إلى العلماء ، ثم أعطى العلماء إلى العامة جداول صغاراً على قدر طاقتهم ، ثم أجرت العامة سواقي إلى أهاليهم بقدر طاقتهم ، وهذا مأخوذ مما ورد في الخبر " للعلماء سر وللخلفاء سر وللأنبياء سر وللملائكة سر ولله من بعد ذلك كله سر . فلو اطلع الجهال على سر العلماء لأبادوهم ، ولو اطلع العلماء على سر الخلفاء لنابذوهم ، ولو اطلع الخلفاء على سر الأنبياء لخالفوهم ، ولو اطلع الأنبياء على سر الملائكة لاتهموهم ، ولو اطلع الملائكة على سر الله لطاحوا حائرين وبادوا بائدين " والسبب في ذلك أن العقول الضعيفة لا تحتمل الأسرار القوية كما لا يحتمل نور الشمس أبصار الخفافيش . وسئل الشعبي عن هذه الحروف فقال : سر الله فلا تطلبوه . وعن ابن عباس أنه قال : عجزت العلماء عن إدراكها . وقيل : هو من المتشابه . وزيف هذا القول بنحو قوله تعالى { أفلا يتدبرون القرآن } [ النساء : 82 ] { تبياناً لكل شيء } [ النحل : 89 ] { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] وإنما يمكن التدبر ويكون تبياناً وهدى إذا كان مفهوماً ، وبقول صلى الله عليه وسلم : " إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي " فكيف يمكن التمسك به وهو غير معلوم ؟ وأيضاً لا يخاطب المكلف بما لا يفهم كما لا يخاطب العربي بالعجمي ، ولا يجوز التحدي بما لا يكون معلوماً ، وعورض بقوله تعالى { وما يعلم تأويله إلا الله } [ آل عمران : 7 ] والوقف هنا لأن الراسخين لو كانوا عالمين بتأويله كان الإيمان به كالإيمان بالمحكم ، فلا يكون في الإيمان به مزيد مدح ، ولا يكون في قوله { كل من عند ربنا }

[ آل عمران : 7 ] فائدة على ما لا يخفى ، وبقوله صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديم " وقد روينا عن أكابر الصحابة ما روينا . وأيضاً الأفعال التي كلفنا بها منها ما يظهر وجه الحكمة فيه كالصلاة فإن فيها تواضعاً للمعبود والصوم ففيه كسر الشهوة والزكاة ففيها سد خلة المساكين ، ومنها ما لا يظهر فيه الحكمة ككثير من أفعال الحج ، ويحسن من الله تعالى الأمر بالنوعين لظهور الامتثال بهما ، بل كمال الانقياد في النوع الثاني أظهر وأكثر لأنه تعبد محض . فلم لا يجوز أن يكون في الأقوال أيضاً مثل ذلك ، مع أن فيه فائدة أخرى هي اشتغال السر بذكر الله والتفكير في كلامه ؟

القول الثاني : إن المراد من هذه الفواتح معلوم ، ثم اختلفوا على وجوه : الأول : أنها أسماء وهو قول أكثر المتكلمين واختاره الخليل وسيبويه ، كما سموا بلام والد حارثة بن لام الطائي ، وكقولهم للنحاس صاد ، وللسحاب عين ، وللجبل قاف ، وللحوت نون ، وسعود تمام الكلام في هذا القول . الثاني : أنها أسماء الله تعالى . روي عن علي عليه السلام أنه كان يقول : يا كَهيعَصَ ، يا حمَ عَسَقَ ، ويقرب منه ما روي عن سعيد بن جبير أنها أبعاض أسماء الله تعالى ، فإن " الر ، حم ، ن " مجموعها اسم " الرحمان " لكنا لا نقدر على كيفية تركيبها في الجميع . الثالث : أنها أسماء القرآن وهو قول الكلبي والسدي وقتادة . الرابع : كل واحد من الحروف دال على اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته ، فالألف إشارة إلى أنه أحد أول آخر أزلي أبدي ، واللام إشارة إلى أنه لطيف ، والميم إلى أنه مجيد ملك منان ، وفي " كَهيعَصَ " الكاف كاف لعباده ، والهاء هاد ، والياء من الحكيم والعين عالم ، والصاد صادق . أو الكاف محمول على الكبير والكريم . والياء على أنه مجير ، والعين على العزيز والعدل ، ويروى هذا عن ابن عباس . وعنه أيضاً في " ألم " أنا الله أعلم ، وفي " المص " أنا الله أعلم وأفصل ، وفي " المر " أنا الله أرى . الخامس : أنها صفات الأفعال . الألف آلاؤه ، واللام لطفه ، والميم مجده ، قاله محمد بن كعب القرظي . السادس : الألف من الله ، واللام من جبرائيل ، والميم من محمد صلى الله عليه وسلم . أي أنزل الله الكتاب بواسطة جبرائيل على محمد صلى الله عليه وسلم . السابع : الألف أنا ، واللام لي ، والميم مني قاله بعض الصوفية . الثامن : أن ورودها مسرودة هكذا على نمط التعديد ليكون كالإيقاظ وقرع العصا لمن تحدى بالقرآن ، أي إن هذا المتلو عليهم وقد عجزوا عنه عن آخرهم كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ، فلولا أنه كلام خالق القدر لم يعجز معشر البشر عن الإتيان بمثل الكوثر قاله المبرد وجم غفير . والتاسع : كأنه تعالى يقول اسمعوها مقطعة حتى إذا وردت عليكم مؤلفة كنتم قد عرفتموها قبل ذلك ، وهذا على طريقة تعليم الصبيان قاله عبد العزيز بن يحيى . العاشر : إن الكفار لما قالوا { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } [ فصلت : 26 ] أنزل الله تعالى هذه الأحرف رغبة في إصغائهم ليهجم عليهم القرآن من حيث لا يشعرون قاله أبو روق وقطرب . الحادي عشر : قول أبي العالية إنه حساب على ما روى ابن عباس أنه مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو سورة البقرة " الم ذلك الكتاب " ثم أتى أخوة حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف فسألوه عن الم وقالوا : ننشدك الله الذي لا إله إلا هو ، أحق أنها أتتك من السماء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : نعم ، كذلك نزلت فقال حيي : إن كنت صادقاً إني لأعلم أجل هذه الأمة من السنين ، ثم قال : كيف ندخل في دين رجل دلت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى مدته إحدى وسبعون سنة ؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال حيي : فهل غير ذلك ؟ فقال : نعم { المص } فقال حيي : مائة وإحدى وستون فهل غير هذه ؟ فقال : نعم { الر } قال حيي : نشهد إن كنت صادقاً ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدى وثلاثين سنة فهل غير هذا ؟ قال : نعم { المر } قال حيي : ندري بأي أقوالك نأخذ ! فقال أبو ياسر : أما أنا فأشهد أن أنبياءنا قد أخبروا عن ملك هذه الأمة ولم يبينوا أنها كم تكون ، فإن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً فيما يقوله إني لأراه يستجمع له هذا كله ، فقام اليهود وقالوا : اشتبه علينا أمرك فأنزل الله تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } [ آل عمران : 7 ] . الثاني عشر : تدل على انقطاع كلام واستئناف كلام آخر . الثالث عشر : قول الأخفش إن الله تعالى أقسم بهذه الحروف المعجمة لشرفها من حيث إنها أصول اللغات ، بها يتعارفون ويذكرون الله ويوحدونه ، واقتصر على البعض والمراد الكل كما تقول : قرأت الحمد وتريد السورة كلها ، أقسم الله بها أن هذا الكتاب هو المثبت في اللوح المحفوظ . الرابع عشر : أن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام ، الأميون وأهل الخط ، والكتاب بخلاف النطق بأسامي الحروف فإنه كان مختصاً بمن خط وقرأ ، فلما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بها من غير تعلم خط وقراءة كان ذلك دليلاً على أنه استفاد ذلك من قبل الوحي . الخامس عشر : قال القاضي الماوردي : معناه ألم بكم ذلك الكتاب أي نزل ، وهذا لا يتأتى في كل فاتحة . السادس عشر : الألف إشارة إلى ما لابد منه من الاستقامة على الشريعة في أول الأمر { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } [ فصلت : 30 ] واللام إشارة إلى الحاصل عند المجاهدات وهو رعاية الطريقة { والذين جاهدوا فينا } [ العنكبوت : 69 ] والميم إشارة إلى صيرورة العبد في مقام المحبة كالدائرة التي يكون نهايتها عين بدايتها وهو مقام الفناء في الله بالكلية وهو الحقيقة { قل الله ثم ذرهم } [ الأنعام : 91 ] . السابع عشر : الألف من أقصى الحلق ، واللام من طرف اللسان وهو وسط المخارج ، والميم من الشفة وهو آخر المخارج ، أي أول ذكر العبد ووسطه وآخره لا ينبغي إلا لله . الثامن عشر : سمعت بعض الشيعة يقول : هذه الفواتح إذا حذف منها المكررات يبقى ما يمكن أن تركب منه على صراط حق نمسكه ، وهذا غريب مع أنه متكلف فلهذا أوردته . واعلم أن الباقي من الفواتح بعد حذف المكرر أربعة عشر ، نصف عدد حروف المعجم بعد الكسر . وقد أورد الله الفواتح في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم ، وهذه الباقية تشتمل على أصناف أجناس الحروف . من المهموسة نصفها ، الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ، ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ، ومن الشديد نصفها ا ك ط ق ، ومن الرخوة نصفها لمر صعهسحين ، ومن المطبقة نصفها ص ط ، ومن المنفتحة نصفها الر كهو س ج ق ي ن ، ومن المستعلية نصفها ق ص ط . ومن المنخفضة نصفها الم ر ك ه ي ع س ح ن ، ومن حروف القلقة نصفها ق ط . وأكثر ألفاظ القرآن من هذه الحروف ، وهذا دليل على أن الله تعالى عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم تبكيتاً لهم وإظهاراً لعجزهم كما مر في الوجه الثامن ، ويؤيد ذلك أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين والله أعلم . التاسع عشر : قيل : معناه ألست بربكم . الألف واللام من أوله والميم من آخره أي أخذت منكم كتاب العهد في يوم الميثاق . والمختار من هذه الأقوال عند الأكثرين القول بأنها أسماء السور ، ثم إنه عورض بوجوه : الأول : أنا نجد سوراً كثيرة اتفقت في التسمية بالم وحم والمقصود من العلم رفع الاشتباه . الثاني : لو كانت أسماء لاشتهرت وتواترت . الثالث : العرب لم يتجاوزوا بما سموا به مجموع اسمين نحو : معد يكرب وبعلبك ، ولم يسم أحد منهم بمجموع ثلاثة أسماء وأربعة وخمسة ، فالقول بأنها أسماء السور خروج عن لغتهم . الرابع : لو كانت أسماء لاشتهرت السور بها ، لكنها اشتهرت بغيرها نحو سورة البقرة وآل عمران . الخامس : هذه الألفاظ داخلة في السور وجزء الشيء متقدم على الشيء بالرتبة ، واسم الشيء متأخر عن الشيء ، فلزم أن يكون متقدماً متأخراً معاً وهو محال . وليس هذا لتسميتهم صاد للحرف الأول منه ، فإن هذا كتسمية المفرد بالمؤلف فلا يلزم إلا تأخر المركب عن المفرد بوجهين ، وهذا تسمية المؤلف بالمفرد ويلزم المحال المذكور . وأجيب عن الأول بما يجاب عن الأعلام المشتركة من أنها ليست بوضع واحد ، مع أنه لا يبعد أن تجعل مشتركاً حتى يتميز كل واحد من الآخر بعلامة أخرى لحكمة خفية . و عن الثاني بأن تسمية السورة بلفظة معينة ليست من الأمور العظام التي تتوفر الدواعي على نقلها . وعن الثالث بأن التسمية بثلاثة أسماء خروج عن كلام العرب ، ولكن إذا جعلت اسماً واحداً فأما منثورة نثر أسماء العدد فلا استنكار لأنها من باب التسمية بما حقه أن يحكى حكاية نحو برق نحره ، وكما لو سمي ببيت شعر أو بطائفة من أسماء حروف المعجم . وعن الرابع أنه لا يبعد أن يصير اللقب أشهر من الاسم . وعن الخامس أن تأخر ما هو متقدم باعتبار آخر غير مستحيل ، وفي لسان الصوفية أن هيئة الصلاة ثلاث : القيام والركوع والسجود . فالألف إشارة إلى القيام ، واللام إلى الركوع ، والميم إلى السجود أي من قرأ فاتحة الكتاب في الصلاة التي هي معراج المؤمن شرفه الله بالهداية في قوله { هدى للمتقين } وعلى هذا فيكون ذلك الكتاب إشارة إلى الفاتحة لأنها أم الكتاب . ثم إن هذه الأسماء ضربان : أحدهما ما لا يتأتى فيه الإعراب نحو { كَهيعَصَ } { المر } وثانيهما ما يتأتى فيه الإعراب لكونه اسماً فرداً كصاد وقاف ونون ، أو أسماء عدة مجموعها على زنة مفرد كحمَ وطسَ ويسَ فإنها موازنة لقابيل وهابيل ، وكقولك طسم إذا فتح نونها صار كدرابجرد . فالنوع الأول محكي ليس إلا ، والثاني فيه أمران الإعراب والحكاية ، فإذا أعرب منع الصرف للعملية والتأنيث قال الشاعر :

يذكرني حاميم والرمح شاجر *** فهلا تلا حاميم قبل التقدم ؟

والحكاية أن تجيء بالقول بعد نقله على استبقاء صورته نحو قولك " بدأت بالحمد لله " قال ذو الرمة :

سمعت الناس ينتجعون غيثاً *** فقلت لصيدح انتجعي بلالاً

وأما من قرأ صاد وقاف ونون مفتوحات فبفعل مضمر نحو " اذكر " أو حركت لالتقاء الساكنين . واستكره جعلها مقسماً بها على طريق قولهم " نعم الله لأفعلن " على حذف حرف الجر وإعمال فعل القسم ، لأن القرآن والقلم بعدها محلوف بهما . واستكرهوا الجمع بين قسمين على مقسم عليه واحد ولهذا قال الخليل : الواو الثانية في قوله عز من قائل { والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى } [ الليل : 1 ، 2 ] واو العطف لا القسم نحو " وحياتي ثم حياتك لأفعلن " ولو كان انقضى قسمه بالأول على شيء لجاز أن يستعمل كلاماً آخر نحو " بالله لأفعلن تالله لأخرجن " ولا سبيل فيما نحن بصدده إلى جعل " الواو " للعطف لمخالفة الثاني الأول في الإعراب ، اللهم إلا أن تقدر مجرورة بإضمار الباء القسمية لا بحذفها فقد جاء عنهم " الله لأفعلن " مجروراً غير أنها فتحت في موضع الجر لكونها غير مصروفة ، وأما من قرأ صاد وقاف بالكسر فلالتقاء الساكنين . وهذه الفواتح جاءت في المصحف مكتوبة على صور الحروف أنفسها لا على صور أساميها ، لأن المألوف أنه إذا قيل للكاتب اكتب " صاد " مثلاً فإنه يكتب مسماها ص . وأيضاً اشتهار أمرها بأن المراد بها هنا الأسامي لا المسميات أمن وقوع اللبس فيها ، وأيضاً خطان لا يقاسان ، خط المصحف لأنه سنة ، وخط العروض لأن المعتبر هناك الملفوظ . ومن لم يجعل هذه الفواتح أسماء السور فلا محل لها عنده كما لا محل للجمل المبتدأة والمفردات المعدودة ، ومن جعلها أسماء للسور فسنخبرك عن تأليفها مع ما بعدها الله حسبي .