غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

23

ثم كرر وعيد أهل الكفر ومن دناهم فقال { إن الذين كفروا ويصدون } إنما حسن عطف المستقبل على الماضي لأنه أراد به الاستمرار وأنه من شأنهم الصد وكأنه قيل : كفروا واستمروا على الصد . وقال أبو علي الفارسي . كفروا في الماضي وهم الآن يصدون . عن ابن عباس أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عام الحديبية عن أن يحجوا ويعتمروا وينحروا الهدي . ومن قرأ { سواء } بالنصب فعلى أنه مفعول ثانٍ لجعلنا أي جعلناه مستوياً { العاكف فيه والباد } ومن قرأ بالرفع فعلى أن { العاكف } مبتدأ و { سواء } خبر مقدم والجملة مفعول ثان ويجوز أن يكون { للناس } مفعولاً ثانياً أي جعلناه متعبداً لكل من وقع عليه اسم الناس ، وقوله { سواء } إلى آخره الجملة بيان لذلك الجعل أي لا فرق بين الحاضر المقيم به وبين الطارئ من البدو ، واختلفوا في أن المكي والآفاقي يستويان في أي شيء فعن ابن عباس في بعض الروايات أنهما يستويان في سكنى مكة والنزول بها للآية بناء على أن المراد بالمسجد الحرام مكة ، ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " مكة مباحة سبق إليها " وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وهو قول قتادة وسعيد بن جبير أيضاً ، ولأجل ذلك زعموا أن كراء دور مكة حرام . والأكثرون على أنهما مستويان في العبادة في المسجد ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار " وعلى هذا فلا منع من بيع دور مكة وإجارتها وهو مذهب الشافعي وقد جرت المناظرة بينه وبين إسحق الحنظلي وكان إسحق لا يرخص في كراء دور مكة فاحتج الشافعي بقوله تعالى { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } [ الحج : 40 ] بأن عمر اشترى دار السجن فسكت إسحق وإنما ذهب الأولون إلى أن المراد بالمسجد الحرام هاهنا مكة كلها لأنه جعل العاكف فيه بإزاء البادي . أجاب الأكثرون بأنه أراد بالعاكف المجاور للمسجد المتمكن في كل وقت من التعبد فيه . والإلحاد العدول عن القصد كما مر في قوله { وذر الذين يلحدون في أسمائه }[ الأعراف : 180 ] وقوله { بالحاد بظلم } حالان ومفعول { يرد } متروك ليفيد العموم أي ومن يرد فيه مراداً ما جائراً ظالماً .

وفائدة الحال الثانية أن العدول عن القصد قد يكون بالحق كقوله { وجزاء سيئة سيئة }

[ الشورى : 40 ] واختلفوا في الإلحاد في الحرم فعن قتادة وسعيد بن جبير وابن عباس في رواية عطاء أنه الشرك يعني من لجأ إلى حرم الله ليشرك به عذبه الله . وقال مقاتل : نزلت في عبد الله بن حنظلة حيث قتل الأنصاري وهرب إلى مكة كافراً . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح وهو العذاب الأليم . وعن مجاهد أنه الاحتكار . وقيل : المنع من عمارته . وعن عطاء : هو قول الرجل في المبايعة " لا والله " وبلى والله . ومثله ما روي عن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل فقيل له في ذلك فقال : كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل " لا والله " و " بلى والله " . والأولى التعميم . وفيه أن الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في مهامه ومقاصده ، وهذا وإن كان واجباً في كل مكان إلا أن وجوبه هناك أو كد فللمكان خاصية كما للزمان ولهذا قال مجاهد : تضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات . عن ابن مسعود : أن القصد إلى الذنب يكتب هناك ذنباً وإن لم يخرج إلى الفعل . وعنه لو أن رجلاً يهم بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله تعالى عذاباً أليماً . واعلم أن خبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه كأنه قيل : إن الذين كفروا ويصدون نذيقهم من عذاب أليم ومن يرد في الحرم بإلحاد فهو كذلك .

/خ41