غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ} (14)

1

ومعنى " ثم " في بعض هذه المعطوفات تراخي الرتبة ولاسيما في قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } أي خلقاً مبايناً للخلق الأول حيث جعله حيواناً وكان جماداً إلى غير ذلك من دقائق اللطف وغرائب الصنع وذلك بعد استكماله ثلاثة أربعينات . ومن هنا ذهب أبو حنيفة فيمن غصب بيضة فأفرخت عنده إلى أنه يضمن البيضة ولا يردّ الفرخ لأنه خلق آخر سوى البيضة . وروى العوفي عن ابن عباس أن ذلك تصريف الله في أطواره بعد الولادة من الطفولية وما بعدها إلى استواء الشباب وخلق الفهم والعقل فيه يؤيده قوله { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } ويروى هذا القول أيضاً عن مجاهد وابن عمر { فتبارك الله } كثر خيره وبركته أو هو وصف له بالدوام والبقاء أو بالتعالي لأن البركة يرجع معناها إلى الامتداد وكل ما زاد على الشيء فقد علاه . ومعنى { أحسن الخالقين } أحسن المقدّرين تقديراً فحذف المميز للعلم به . قالت المعتزلة : في الآية دلالة على أن كل ما يفعله الله فهو حسن وحكمة فلا يكون خالقاً للكفر والمعاصي . وأجيب بأن الحسن ههنا بمعنى الإحكام والإتقان في التركيب والتأليف وبأنه لا يقبح منه شيء لأنه تعالى يتصرف في ملكه . قالوا : لولا أن غيره تعالى خالق لم تحسن هذه الإضافة فيعلم منه أن العبد خالق أفعاله . وعورض بقوله { الله خالق كل شيء } [ الزمر : 62 ] وأجيب بأن المراد أنه أحسن الخالقين في زعمكم واعتقادكم . وبعضهم أجاب بأن وجه حسن الإضافة هو أنه تعالى وصف عيسى بأنه يخلق من الطين كهيئة الطير ولا يخفى ضعف هذا الجواب من أنه يلزم إطلاق الجمع على الواحد ومن حيث إنه يلزم إطلاق الخالق على المصوّرين . والحق أن الخلق لو كان بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد لا يلزم منه شيء من هذه الإشكالات . روي أن عبد الله بن أبي سرج كان يتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق بذلك قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت . فقال عبد الله : إن كان محمد صلى الله عليه وسلم نبياً يوحى إليه فأنا نبي يوحى إليّ فلحق بمكة كافراً ثم اسلم يوم الفتح . وروي عن عمر أيضا سبق لسانه بقوله { فتبارك الله أحسن الخالقين } قبل أن ينزل . واعلم أن هذا غير مستبعد ولا قادح في إعجاز القرآن لأنه ليس بمقدار سورة الكوثر التي وقع فيها أقل التحدي به .

/خ30