ثم ذكر صفات المتقين حتى يتمكن الإنسان من الجنة بواسطة اكتساب تلك الصفات . منها قوله : { الذين ينفقون في السراء والضراء } في حال الغنى والفقر لا يخلون بأن ينفقوا ما قدروا عليه . عن بعض السلف أنه ربما تصدق ببصلة . وعن عائشة أنها تصدقت بحبة عنب فكأن الفقير أنكر عليها فقالت : احسب كم هي من مثقال ذرة . وقيل : في عرس أو حبس . والمراد في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرة ، فهم لا يدعون الإحسان إلى الناس في حالتي فرح وحزن . وقيل : إن ذلك الإحسان والإنفاق سواء سرهم بأن كان على وفق طبعهم ، أو ساءهم بأن كان مخالفاً له ، فإنهم لا يتركونه . وفي افتتاحه بذكر الإنفاق دليل على عظم وقعه عند الله لأنه طاعة شاقة ، أو لأنه كان أهم في ذلك الوقت لأجل الحاجة إليه في الجهاد ومواساة فقراء المسلمين . ومنها قوله { والكاظمين الغيظ } كظم القربة إذا ملأها وشد فاها . ويقال : كظم غيظه إذا سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل كأنه كتمه على امتلائه ، ورد غيظه في جوفه ، وكف غضبه عن الإمضاء ، وهو من أقسام الصبر والحلم . قال صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظاً وهو يقدر على إنقاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً " وقال أيضاً : " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ومنها قوله : { والعافين عن الناس } ، قيل : يحتمل أن يراد العفو عن المعسرين لأنه ورد عقيب قصة الربا كما قال في البقرة :{ وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم }[ البقرة :280 ] ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم غضب على المشركين حين مثلوا بحمزة فقال : لأمثلن بهم . فندب إلى كظم هذا الغيظ والصبر عليه والعفو عنهم .
والظاهر أنه عام لجميع المكلفين في الأحوال ، إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه . قال صلى الله عليه وسلم : " لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه " ، وعن عيسى ابن مريم عليه السلام : ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك ذاك مكافأة ، إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك . { والله يحب المحسنين } : يجوز أن يكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل فيه هؤلاء المذكورون ، وأن يكون للعهد فيكون إشارة إلى هؤلاء . وذلك أن من أنواع الإحسان إيصال النفع إلى الغير ، وهو المعنى بالإنفاق في السراء والضراء في وجوه الخيرات . ويدخل فيه الإنفاق بالعلم وبالنفس ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود . ومنها دفع الضرر عن الغير إما في الدنيا بأن لا يشتغل بمقابلة الإساءة بإساءة أخرى ، وهو المعبر عنه بكظم الغيظ ، وإما في الآخرة بأن يبرئ ذمته عن التبعات والمطالبات الأخروية ، وهو المقصود بالعفو . فإذن ، الآية دالة على جميع جهات الإحسان إلى الغير . فذكر ثواب المجموع بقوله : { والله يحب المحسنين } فإن محبة الله للعبد أعظم درجات الثواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.