غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (135)

130

قال ابن عباس في رواية عطاء : إن منهالاً التمار أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمراً فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت { والذين إذا فعلوا فاحشة } الآية . وقال في رواية الكلبي : إن رجلين أنصارياً وثقفياً آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، فكانا لا يفترقان في أحوالهما . فخرج الثقفي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرعة في السفر وخلف الأنصاري في أهله وحاجته . فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها ، فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها . ذهب ليلثمها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحى فأدبر راجعاً فقال : سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك . قال : وندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله من ذنبه حتى وافى الثقفي فأخبرته أهله بفعله ، فخرج يطلبه حتى دل عليه فوافقه ساجداً وهو يقول : رب ذنبي ذنبي . قد خنت أخي فقال له : يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجاً وتوبة . فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة ، وكان ذات يوم عند صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام بتوبته فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذين إذا فعلوا فاحشة } إلى قوله : { ونعم أجر العاملين } فقال عمر : يا رسول الله أخاص هذا لهذا أم للناس عامة ؟ فقال : بل للناس عامة في التوبة .

وعن ابن مسعود أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أبنوا إسرائيل كانوا أكرم على الله منا ؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجدع أذنك اجدع أنفك افعل كذا . فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأها عليهم ، وبيّن أنهم أكرم على الله منهم حيث جعل كفارة ذنبهم الاستغفار . والفاحشة نعت محذوف أي فعلوا فعلة فاحشة متزايدة القبح { أو ظلموا أنفسهم } أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذ الإنسان به . وقيل : الفاحشة هي الزنا لقوله تعالى :{ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة }[ الإسراء :32 ] وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة . وهذا القول أنسب بسبب النزول الذي رويناه . وقيل : الفاحشة هي الكبيرة وظلم النفس هي الصغيرة والصغيرة يجب الاستغفار منها لأنه صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بالاستغفار { واستغفر لذنبك }[ محمد :19 ] وما كان استغفاره إلا عن الصغائر بل ترك الأولى { ذكروا الله } أي وعيده أو عقابه وأنه سائلهم أو نهيه ، أو جلاله الموجب للخشية والحياء منه ، أو ذكروا العرض الأكبر على الله . وعلى جميع التقادير فلا بد من مضاف محذوف . ويكون الذكر بمعنى ضد النسيان وإليه ذهب الضحاك ومقاتل والواقدي . ونظيره { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }[ الأعراف :201 ] وقيل : المراد ذكروا الله بالثناء والتعظيم والإجلال ، فإن من آداب المسألة والدعاء تقديم التعظيم والثناء { فاستغفروا لذنوبهم } يقال : استغفر الله لذنبه ومن ذنبه بمعنى . والمراد بالاستغفار الإتيان بالتوبة على الوجه الصحيح ، وهو الندم على فعل ما مضى مع العزم على ترك مثله في المستقبل . فأما الاستغفار بمجرد اللسان فذاك لا أثر له في إزالة الذنب وإنما يجب إظهار هذا الاستغفار لإزالة التهمة ولإظهار كونه منقطعاً إلى الله تعالى { ومن يغفر الذنوب إلا الله } لأن كمال قدرته وغناه كما أنه يقتضي إيقاع العبد في العقاب ، فكمال رحمته وعفوه يقتضي إزالة ذلك العقاب عنه ، لكن صدور الرحمة عنه بالذات " سبقت رحمتي غضبي " فجانب العفو والمغفرة أرجح ولا سيما إذا اقترن الذنب بالتوبة والاعتذار والتنصل بأقصى ما يمكن للعبد . وفي كتاب مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " وعن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي . يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي . يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرضين خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة "

وعن علي رضي الله عنه قال : حدثني أبو بكر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر له " ثم قرأ { والذين إذا فعلوا فاحشة } إلى قوله : { ومن يغفر الذنوب إلا الله } وهذه الجملة معترضة والتقدير : فاستغفروا لذنوبهم { ولم يصروا } لم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين . والتركيب يدل على الشدة ، ومنه صررت الصرة شددتها ، وصر الفرس أذنيه ضمهما إلى رأسه . وأصر أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة " وروي " لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار " { وهم يعلمون } حال من فاعل يصروا ، وحرف النفي منصب عليها معاً كما لو قلت : ما جاءني زيد وهو راكب . وأردت نفي المجيء والركوب معاً . وذلك أن المقام مقام مدح لهم بعدم الإصرار . والمعنى ليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها والوعيد عليها لأنه قد يعذر الجاهل ولا يعذر العالم ، ويحتمل أن يراد بالعلم العقل والتمييز والتمكن من الاحتراز عن الفواحش فيجري مجرى قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاث " وعلى هذا يجوز أن يراد نفي الإصرار في حالة العلم لا نفيه مطلقاً كما لو أردت في المثال المذكور نفي المجيء في حال الركوب لا نفي المجيء على الإطلاق

/خ141