قال ابن عباس في رواية عطاء : إن منهالاً التمار أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمراً فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت { والذين إذا فعلوا فاحشة } الآية . وقال في رواية الكلبي : إن رجلين أنصارياً وثقفياً آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، فكانا لا يفترقان في أحوالهما . فخرج الثقفي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرعة في السفر وخلف الأنصاري في أهله وحاجته . فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها ، فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها . ذهب ليلثمها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحى فأدبر راجعاً فقال : سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك . قال : وندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله من ذنبه حتى وافى الثقفي فأخبرته أهله بفعله ، فخرج يطلبه حتى دل عليه فوافقه ساجداً وهو يقول : رب ذنبي ذنبي . قد خنت أخي فقال له : يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجاً وتوبة . فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة ، وكان ذات يوم عند صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام بتوبته فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذين إذا فعلوا فاحشة } إلى قوله : { ونعم أجر العاملين } فقال عمر : يا رسول الله أخاص هذا لهذا أم للناس عامة ؟ فقال : بل للناس عامة في التوبة .
وعن ابن مسعود أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أبنوا إسرائيل كانوا أكرم على الله منا ؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجدع أذنك اجدع أنفك افعل كذا . فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأها عليهم ، وبيّن أنهم أكرم على الله منهم حيث جعل كفارة ذنبهم الاستغفار . والفاحشة نعت محذوف أي فعلوا فعلة فاحشة متزايدة القبح { أو ظلموا أنفسهم } أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذ الإنسان به . وقيل : الفاحشة هي الزنا لقوله تعالى :{ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة }[ الإسراء :32 ] وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة . وهذا القول أنسب بسبب النزول الذي رويناه . وقيل : الفاحشة هي الكبيرة وظلم النفس هي الصغيرة والصغيرة يجب الاستغفار منها لأنه صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بالاستغفار { واستغفر لذنبك }[ محمد :19 ] وما كان استغفاره إلا عن الصغائر بل ترك الأولى { ذكروا الله } أي وعيده أو عقابه وأنه سائلهم أو نهيه ، أو جلاله الموجب للخشية والحياء منه ، أو ذكروا العرض الأكبر على الله . وعلى جميع التقادير فلا بد من مضاف محذوف . ويكون الذكر بمعنى ضد النسيان وإليه ذهب الضحاك ومقاتل والواقدي . ونظيره { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }[ الأعراف :201 ] وقيل : المراد ذكروا الله بالثناء والتعظيم والإجلال ، فإن من آداب المسألة والدعاء تقديم التعظيم والثناء { فاستغفروا لذنوبهم } يقال : استغفر الله لذنبه ومن ذنبه بمعنى . والمراد بالاستغفار الإتيان بالتوبة على الوجه الصحيح ، وهو الندم على فعل ما مضى مع العزم على ترك مثله في المستقبل . فأما الاستغفار بمجرد اللسان فذاك لا أثر له في إزالة الذنب وإنما يجب إظهار هذا الاستغفار لإزالة التهمة ولإظهار كونه منقطعاً إلى الله تعالى { ومن يغفر الذنوب إلا الله } لأن كمال قدرته وغناه كما أنه يقتضي إيقاع العبد في العقاب ، فكمال رحمته وعفوه يقتضي إزالة ذلك العقاب عنه ، لكن صدور الرحمة عنه بالذات " سبقت رحمتي غضبي " فجانب العفو والمغفرة أرجح ولا سيما إذا اقترن الذنب بالتوبة والاعتذار والتنصل بأقصى ما يمكن للعبد . وفي كتاب مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " وعن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي . يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي . يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرضين خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة "
وعن علي رضي الله عنه قال : حدثني أبو بكر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر له " ثم قرأ { والذين إذا فعلوا فاحشة } إلى قوله : { ومن يغفر الذنوب إلا الله } وهذه الجملة معترضة والتقدير : فاستغفروا لذنوبهم { ولم يصروا } لم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين . والتركيب يدل على الشدة ، ومنه صررت الصرة شددتها ، وصر الفرس أذنيه ضمهما إلى رأسه . وأصر أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة " وروي " لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار " { وهم يعلمون } حال من فاعل يصروا ، وحرف النفي منصب عليها معاً كما لو قلت : ما جاءني زيد وهو راكب . وأردت نفي المجيء والركوب معاً . وذلك أن المقام مقام مدح لهم بعدم الإصرار . والمعنى ليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها والوعيد عليها لأنه قد يعذر الجاهل ولا يعذر العالم ، ويحتمل أن يراد بالعلم العقل والتمييز والتمكن من الاحتراز عن الفواحش فيجري مجرى قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاث " وعلى هذا يجوز أن يراد نفي الإصرار في حالة العلم لا نفيه مطلقاً كما لو أردت في المثال المذكور نفي المجيء في حال الركوب لا نفي المجيء على الإطلاق
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.