غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (20)

12

ثم بين للرسول صلى الله عليه وسلم ما يقوله في محاجتهم فقال : { فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله } قال الفراء : أي أخلصت عملي لله . فعلى هذا " الوجه " في معنى العمل . وقيل : أي أسلمت وجه عملي لله . فحذف المضاف والمعنى كل ما يصدر مني من الأعمال . فالوجه في الإتيان بها هو عبودية الله والانقياد لإلهيته وحكمه . وقيل : الوجه مقحم ، والتقدير : أسلمت نفسي لله ، وليس في العبادة مقام أعلى من إسلام النفس كأنه موقوف على عبادته معرض عن كل ما سواه ، وقوله : { ومن اتبعن } معطوف على الضمير المرفوع في { أسلمت } وحسن للفصل . أو مفعول معه والواو بمعنى " مع " . ثم في كيفية إيراد هذا الكلام طريقان :

أحدهما أن هذا إعراض عن المحاجة لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد أظهر المعجزات كالقرآن ودعاء الشجرة وكلام الذئب وغيرها ، وقد مر في هذه السورة إبطال إلهية عيسى وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ثم بيّن نفي الضد والند والصاحبة والولد بقوله : { شهد الله أنه لا إله إلا هو } وذكر أن اختلاف هؤلاء اليهود والنصارى إنما هو لأجل البغي والحسد فلم يبق إلا أن يقول : أما أنا ومن اتبعن فمنقادون للحق مستسلمون له مقبلون على عبودية الله تعالى . وهذا طريق قد يذكره المحتج المحق مع المبطل المصر في آخر كلامه .

وثانيهما أن قوله : { أسلمت } محاجة وبيانه أن القوم كانوا مقرين بوجود الصانع وكونه مستحقاً للعبادة ، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال هذا القول متفق عليه بين الكل فأنا متمسك بهذا القدر المتفق عليه وداعي الخلق إليه ، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك . فاليهود يدعون التشبيه والجسمية ، والنصارى يدعون إلهية عيسى ، والمشركون يدعون وجوب عبادة الأوثان . فهؤلاء هم المدعون لهذه الأشياء فعليهم إثباتها ونظير هذه الآية { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً }[ آل عمران : 64 ] وعن أبي مسلم أن الآية في هذا الموضع كقول إبراهيم عليه السلام { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض }[ الأنعام : 79 ] كأنه قيل : فإن نازعوك يا محمد في هذه التفاصيل فقل : أنا متمسك بطريقة إبراهيم وأنتم معترفون بأنه كان محقاً في قوله صادقاً في دينه ، فيكون من باب التمسك بالإلزامات وداخلاً تحت قوله :{ وجادلهم بالتي هي أحسن }[ النحل : 125 ] { وقل للذين أوتوا الكتاب } من اليهود والنصارى { والأميين } وهم مشركو العرب الذين لا كتاب لهم { أأسلمتم } ومعناه الأمر وفائدته التعيير بالعناد وقلة الإنصاف كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تأل جهداً في سلوك طريقة الكشف والبيان له : هل فهمتها ؟ فإنه يكون توبيخاً له بالبلادة وكلال الذهن ومثله في آية تحريم الخمر { فهل أنتم منتهون }[ المائدة : 91 ] إشارة إلى التقاعد عن الانتهاء . { فإن أسلموا فقد اهتدوا } إلى ما يهدي الله إليه أو إلى الفوز والنجاة في الآخرة { وإن تولوا } أعرضوا عن الإسلام لي والاتباع لك { فإنما عليك البلاغ } . ما عليك إلا أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الرشاد { والله بصير بالعباد } يوفق للصلاح من شاء ويترك على الضلالة من أراد .

/خ25