ثم بين للرسول صلى الله عليه وسلم ما يقوله في محاجتهم فقال : { فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله } قال الفراء : أي أخلصت عملي لله . فعلى هذا " الوجه " في معنى العمل . وقيل : أي أسلمت وجه عملي لله . فحذف المضاف والمعنى كل ما يصدر مني من الأعمال . فالوجه في الإتيان بها هو عبودية الله والانقياد لإلهيته وحكمه . وقيل : الوجه مقحم ، والتقدير : أسلمت نفسي لله ، وليس في العبادة مقام أعلى من إسلام النفس كأنه موقوف على عبادته معرض عن كل ما سواه ، وقوله : { ومن اتبعن } معطوف على الضمير المرفوع في { أسلمت } وحسن للفصل . أو مفعول معه والواو بمعنى " مع " . ثم في كيفية إيراد هذا الكلام طريقان :
أحدهما أن هذا إعراض عن المحاجة لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد أظهر المعجزات كالقرآن ودعاء الشجرة وكلام الذئب وغيرها ، وقد مر في هذه السورة إبطال إلهية عيسى وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ثم بيّن نفي الضد والند والصاحبة والولد بقوله : { شهد الله أنه لا إله إلا هو } وذكر أن اختلاف هؤلاء اليهود والنصارى إنما هو لأجل البغي والحسد فلم يبق إلا أن يقول : أما أنا ومن اتبعن فمنقادون للحق مستسلمون له مقبلون على عبودية الله تعالى . وهذا طريق قد يذكره المحتج المحق مع المبطل المصر في آخر كلامه .
وثانيهما أن قوله : { أسلمت } محاجة وبيانه أن القوم كانوا مقرين بوجود الصانع وكونه مستحقاً للعبادة ، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال هذا القول متفق عليه بين الكل فأنا متمسك بهذا القدر المتفق عليه وداعي الخلق إليه ، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك . فاليهود يدعون التشبيه والجسمية ، والنصارى يدعون إلهية عيسى ، والمشركون يدعون وجوب عبادة الأوثان . فهؤلاء هم المدعون لهذه الأشياء فعليهم إثباتها ونظير هذه الآية { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً }[ آل عمران : 64 ] وعن أبي مسلم أن الآية في هذا الموضع كقول إبراهيم عليه السلام { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض }[ الأنعام : 79 ] كأنه قيل : فإن نازعوك يا محمد في هذه التفاصيل فقل : أنا متمسك بطريقة إبراهيم وأنتم معترفون بأنه كان محقاً في قوله صادقاً في دينه ، فيكون من باب التمسك بالإلزامات وداخلاً تحت قوله :{ وجادلهم بالتي هي أحسن }[ النحل : 125 ] { وقل للذين أوتوا الكتاب } من اليهود والنصارى { والأميين } وهم مشركو العرب الذين لا كتاب لهم { أأسلمتم } ومعناه الأمر وفائدته التعيير بالعناد وقلة الإنصاف كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تأل جهداً في سلوك طريقة الكشف والبيان له : هل فهمتها ؟ فإنه يكون توبيخاً له بالبلادة وكلال الذهن ومثله في آية تحريم الخمر { فهل أنتم منتهون }[ المائدة : 91 ] إشارة إلى التقاعد عن الانتهاء . { فإن أسلموا فقد اهتدوا } إلى ما يهدي الله إليه أو إلى الفوز والنجاة في الآخرة { وإن تولوا } أعرضوا عن الإسلام لي والاتباع لك { فإنما عليك البلاغ } . ما عليك إلا أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الرشاد { والله بصير بالعباد } يوفق للصلاح من شاء ويترك على الضلالة من أراد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.