غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (94)

91

{ ولقد جئتمونا } يحتمل أن يكون معطوفاً على قول الملائكة { أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون } ثم الملائكة إما الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم ، وإما الملائكة الموكلون بعذابهم ، ويحتمل أن يكون القائل هو الله تعالى إن جوزنا أنه يتكلم مع الكفار { فرادى } جمع ينون ولا ينوّن واحده . قيل : فرد على غير قياس . وقيل فردان كسكارى وسكران قاله ابن قتيبة . وقيل : فريد كرديف وردا في وهم الحداة والأعوان لأنه إذا أعيا أحدهم خلفه الآخر { كما خلقناكم } أي على الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد ، أو مجيئاً مثل خلقنا لكم . { أوّل مرة } والمراد التوبيخ والتقريع لأنهم بذلوا جهدهم وصرفوا كدهم في الدنيا إلى تحصيل أمرين : أحدهما المال والجاه ، والثاني أنهم عبدوا الأصنام وجعلوها شركاء لله فيهم فقلبوا القضية وتركوا الحقيقة ، وذلك أن النفس الإنسانية إنما تعلقت بالجسد ليكون البدن آلة لها في اكتساب المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة ، فإذا فارقت البدن ولم يحصل لها هذان المطلبان عظم خسرانها وطال حرمانها فاستحق التوبيخ بقوله { ولقد جئتمونا فرادى } أي منفردين عما يجب من الأعمال والعقائد . ثم إنها مع ذلك اكتسبت أشياء قد علق الرجاء بها لأنه أفنى العمر في تحصيلها وأنها ليست مما يبقى معها فلا جرم استحق التقريع بقوله { وتركتم ما خوّلناكم } أي أعطينا وتفضلنا به عليكم { وراء ظهوركم } يعني أنها كالشيء الذي يبقى وراء ظهر الإنسان فلن يمكنه الانتفاع به وربما بقي معوج الرأس بسبب التفاته إليه { وما نرى معكم شفعاءكم } أي ليسوا معكم حتى يروا ، أو ليسوا معكم بالشفاعة والنصرة كما زعمتم بدليل قوله { لقد تقطع بينكم } الآية . من قرأ بالنصب على الظرف فمعناه وقع التقطع بينكم كقوله { وتقطعت بهم الأسباب } [ البقرة : 166 ] يقال : جمع بين الشيئين أي وقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره . وقيل : المراد لقد تقطع وصلكم بينكم كقولهم إذا كان غداً فأتني أي إذا كان الرجاء أو البلاء غداً فأتني فأضمر لدلالة الحال ، ومن قرأ بالرفع فلأنه أسند الفعل إلى الظرف اتساعاً كما تقول : قوتل خلفكم وأمامكم ، أو لأن المراد بالبين الوصل وإنما حسن استعماله في معنى الوصلة مع أن أصله الافتراق والتباين لأنه يستعمل في الشيئين اللذين بينهما مشاركة ومواصلة من بعض الوجوه كقولهم : بيني وبينه مشاركة وبيني وبينه رحم . والمعنى لقد تقطع وصلكم . قلت : ويحتمل أن يكون البين بمعنى الافتراق ويفيد المبالغة كقولهم : جد جده . فإذن العاقل من يكسب الزاد ليوم المعاد حتى لا يوبخ بقوله { ولقد جئتمونا فرادى } ويصرف المال في وجوه التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله حتى لا يخاطب بقوله { وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } بل يكون من زمرة { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله } [ المزمل : 20 ] كيلا تطول حسرته يوم ينقطع بين النفس والجسد وصله .

/خ100