مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱلرِّجَالُ قَوَّـٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا} (34)

{ الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء } يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعايا وسموا قواماً لذلك { بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } الضمير في «بعضهم » للرجال والنساء يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن لسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والرأي والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة وتكبير التشريق عند أبي حنيفة رحمه الله والشهادة في الحدود والقصاص وتضعيف الميراث والتعصيب فيه وملك النكاح والطلاق وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم . { وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أموالهم } وبأن نفقتهن عليهم وفيه دليل وجوب نفقتهن عليهم . ثم قسمهن على نوعين . النوع الأول { فالصالحات قانتات } مطيعات قائمات بما عليهن للأزواج { حفظات لّلْغَيْبِ } لمواجب الغيب وهو خلاف الشهادة أي إذ كان الأزواج غير شاهدين لهن حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والبيوت والأموال . وقيل : للغيب لأسرارهم { بِمَا حَفِظَ الله } بما حفظهن الله حين أوصى بهن الأزواج بقوله : { وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف } [ النساء : 19 ] . أو بما حفظهن الله وعصمهن ووفقهن لحفظ الغيب ، أو بحفظ الله إياهن حيث صيرهن كذلك . والثاني { والاتى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } عصيانهن وترفعهن عن طاعة الأزواج . والنشز : المكان المرتفع والنبوة . عن ابن عباس رضي الله عنهما : هو أن تستخف بحقوق زوجها ولا تطيع أمره { فَعِظُوهُنَّ } خوفوهن عقوبة الله تعالى . والضرب والعظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة { واهجروهن فِي المضاجع } في المراقد أي لا تداخلوهن تحت اللحف وهو كناية عن الجماع ، أو هو أن يوليها ظهره في المضجع لأنه لم يقل عن المضاجع { واضربوهن } ضرباً غير مبرح .

أمر بوعظهن أولاً ثم بهجرانهن في المضاجع ، ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ } بترك النشوز { فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى و«سبيلاً » مفعول «تبغوا » وهو من بغيت الأمر أي طلبته { إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } أي إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا ظلمهن ، أو إن الله كان علياً كبيراً وإنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجع .