غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلرِّجَالُ قَوَّـٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا} (34)

31

هذا وقد مر أن النساء تكلمن في تفضيل الله الرجال عليهم في الميراث ونحوه ، فذكر في هذه الآية ما يشتمل على بعض أسباب التفضيل فقال : { الرجال قوّامون } يقال : هذا قيم المرأة وقوّامها بناء مبالغة للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها كما يقوم الوالي على الرعية ومنه سمي الرجال قوّاماً . والضمير في بعضهم للرجال والنساء جميعاً أي إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم - وهم الرجال - على بعض - وهم النساء . وقيل : وفيه دليل على أن الولاية إنما تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة والقهر . وذكروا في فضل الرجال العقل والحزم والعزم والقوة والكتابة في الغالب والفروسية والرمي ، وأن منهم الأنبياء والعلماء والحكماء ، وفيهم الإمامة الكبرى وهي الخلافة ، والصغر وهو الاقتداء بهم في الصلاة ، وأنهم أهل الجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص بالاتفاق وفي الأنكحة عند الشافعي ، زيادة السهم في الميراث والتعصيب فيه ، والحمالة تحمل الدية في القتل الخطأ ، والقسامة والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج وإليهم الانتساب ، وكل ذلك يدل على فضلهم ، وحاصلها يرجع إلى العلم والقدرة . ومنها سبب خارجيّ وذلك أنهم فضلوا عليهن بما أنفقوا أي أخرجوا في نكاحهن من أموالهم مهراً ونفقة . عن مقاتل " أن سعد بن الربيع ، وكان من نقباء الأنصار ، نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير ، فطلمها . فانطلق بها أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أفرشته كريمتي فلطمها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتقتص منه ، وكانت قد نزلت آية القصاص ، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارجعوا هذا جبريل أتاني وأنزل الله هذه الآية . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير ورفع القصاص " .

فلهذا قال العلماء : لا قصاص بين الرجل وامرأته فيما دون النفس ولو شَجها ولكن يجب العقل ، وقيل : لا قصاص إلاّ في الجرح والقتل ، وأما في اللطمة ونحوها فلا . ثم قسم النساء قسمين ، فوصف الصالحات منهن بأنهن قانتات مطيعات لله وللزوج حافظات للغيب قائمات بحقوق الزوج في غيبته ، والغيب خلاف الشهادة . ومواجب حفظ غيبة الزوج أن تحفظ نفسها عن الزنا لئلاّ يلحق الزوج العار بسبب زناها ، ولئلاّ يلحق به الولد الحاصل من نطفة غيره ، وأن تحفظ أسراره عن الإفشاء وماله عن الضياع ومنزلها عما لا ينبغي شرعاً وعرفاً . عن النبي صلى الله عليه وسلم : " خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها وتلا الآية " و " ما " في قوله : { بما حفظ الله } موصولة والعائد محذوف أي بالذي حفظه الله لهن أي عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن حيث أمرهم بالعدل فيهن في قوله :{ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان }[ البقرة :229 ] فقوله : { بما حفظ الله } يجري مجرى قولهم " هذا بذاك " أي هذا في مقابلة ذاك ، أو مصدرية والمعنى : أنهن حافظات للغيب بحفظ الله إياهن فإنهن لا يتيسر لهن حفظ الغيب إلاّ بتوفيق الله ، أو بما حفظهن حين وعدهن الثواب العظيم على الأمانة ، وأوعدهن العذاب الشديد على الخيانة . ومن قرأ { بما حفظ الله } بالنصب ف " ما " أيضاً موصولة أي بالأمر الذي يحفظ حق الله وأمانته وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم ، أو مصدرية أي بسبب حفظهن حدود الله وأوامره فإن المرأة لولا أنها تحاول رعاية تكليف الله وتجتهد في حفظ أوامره وإلا لما أطاعت زوجها . ثم ذكر غير الصالحات منهن فقال : { واللاتي تخافون } تعرفون بالقرائن والأمارات { نشوزهن } عصيانهن والترفع عليكم بالخلاف من نشز الشيء ارتفع ، ومنه نشز للأرض المرتفعة { فعظوهن } وهو أن يقول : اتقي الله فإن لي عليك حقاً ، وارجعي عما أنت عليه ، واعلمي أن طاعتي عليك فرض ونحو ذلك . { واهجروهن في المضاجع } أي في المراقد أي لا تداخلوهن تحت اللحف ، وقيل : هو أن يوليها ظهره في المضجع . وقيل : في المضاجع أي ببيوتهن التي يبتن فيها أي لا تبايتوهن . وفي ضمن الهجران الامتناع من كلامها . ولكن ينبغي أن لا يزيد في هجره الكلام على ثلاث ، فإذا هجرها في المضجع فإن كانت تحب الزوج شق ذلك عليها فتركت النشوز ، وإن كانت تبغضه وافقها ذلك الهجران فكان ذلك دليلاً على كمال نشوزها فيباح الضرب وذلك قوله : { واضربوهن } والأولى ترك الضرب لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا تضربوا إماء الله " فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذئرت النساء على أزواجهن أي اجترأن فرخص في ضربهن . فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم " . ومعناه أن الذين ضربوا أزواجهم ليسوا خيراً ممن لم يضربوا . وإذا ضربها وجب أن لا يكون مفضياً إلى الهلاك ألبتة ، وأن يكون مفرقاً على بدنها لا يوالي به في موضع واحد ، ويتقي الوجه لأنه مجمع المحاسن ، وأن يكون دون الأربعين . وقيل : دون عشرين لأنه حد كامل في شرب العبد ، ومنهم من لا يرى الضرب بالسياط ولا بالعصا . وبالجملة فالتخفيف مرعي في هذا الباب ولهذا قال علي بن أبي طالب : يعظها بلسانه فإن انتهت فلا سبيل له عليها ، فإن أبت هجر مضجعها ، فإن أبت ضربها ، فإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين . وقال آخرون : هذا الترتيب مرعي عند خوف النشوز ، فأما عند تحقق النشوز فلا بأس بالجمع بين الكل . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " علق سوطك حيث يراه أهلك " . { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } بالأذى والتوبيخ ، واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن { إن الله كان علياً } لا بالجهة { كبيراً } لا بالجثة { فاحذروا } واعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم على أزواجكم وأرقائكم . روي أن أبا مسعود الأنصاري رفع سوطه ليضرب غلاماً له فبصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فصاح به : أبا مسعود ، الله أقدر منك عليه . فرمى بالسوط وأعتق الغلام . وفيه أنه مع علوه وكبرياء سلطانه تعصونه فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو إذا رجع الجاني عليكم ، أو أنه مع علوه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون فكذلك لا تكلفوهن محبتكم فلعلهن لا يقدرن على ذلك ، أو أنه مع علو شأنه وكبريائه يكتفي من العبيد بالظواهر ولا يهتك السرائر فأنتم أجدر بأن لا تفتشوا عما في قلبها من الحب والبغض إذا صلح حالها في الظاهر ، أو أنهن إن ضعفن عن دفع ظلمكم وعجزن عن الانتصاف منكم فالله تعالى قادر قاهر ينتصف لهن منكم .

/خ40