الآية 34 : { الرجال قوامون على النساء } قال أهل التأويل : الآية نزلت في الأزواج دليله قوله تعالى : { وبما أنفقوا من أموالهم } والأزواج هم المأخوذون بنفقة زوجاتهم وفيه دليل وجوب نفقة المرأة على زوجها وعلى ذلك بإجماع أهل العلم .
وقال بعض اهل اعلم في قوله تعالى : { الرجال قوامون على النساء } دليل ألا يجوز النكاح غلا بالولي حيث أخبر انهم القوامون عليهن دونهن قيل له : عن كانت الآية في الأزواج وفي الأولياء على ما ذكرت ففيه دليل جواز النكاح بغير ولي لا بطلانه وذلك فوله تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } أخبر أنه فضل { بعضهم على بعض } . وذلك التفضيل ( تفضيل ) {[5461]} خلقة وهو أن جعل الرجال من أهل المكاسب والتجارات والقيام بأنواع الحرف والتغلب على حجاتهن .
فالرجال هم القوامون كذلك بل جعلهن ضعيفات{[5462]} عاجزات عن القيام بالمكاسب والحرف والتغلب عن حاجاتهم ، فالرجال هم القوامون / 93- أ/ عليهن ومؤلفو{[5463]} أمورهن وقاضو حوائجهن قائمون{[5464]} على ذلك . ففرض على الرجال القيام بمصالحهم كما ذكر{[5465]} مع ما فرض ذلك على الرجال ( ما ) {[5466]} يجوز إذا ولين بأنفسهن وقمن بحوائجهن من البياعات والأشربة وغير ذلك فعلى ذلك النكاح وإن كان الرجال هم القوام عليهن فغنهن إذا ولين ذلك بأنفسهن وقمن جاز ذلك كما جاز غيره .
ولهذا ما أمر الأولياء بالتزويج في قوله : { وانكحوا الأيامي منكم } الآية ( النور 32 ) ونهاهم عن التعضل عن النكاح بقوله عز وجل : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } الآية ( البقرة 232 ) لأن ذلك حق عليهم ان يفعلوا حتى يلين ذلك بأنفسهن إذ لابد من حضور مشهد الرجال ومجلسهم على ذلك .
فذلك ( على ) {[5467]} الأولياء القيام به ، ولهذا جعل نفقتهن إذا لم يكن لهن مال على محارمهن لأنهن لا يقمن بالمكاسب خلقة .
ولهذا ما لم يجعل للذكور من المحارم بعضهم من المحارم بعضهم على بعض النفقة لما يقومون بالمكاسب . فإذا صار زمنا ، وعجز عن المكاسب جعل نفقته على محارمه لأنه صار في الخلقة كالمرأة والله أعلم . وهن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } ( أنه ){[5468]} قال : ( أمرا عليهن ان يطعنهم{[5469]} في ما أمر الله به من طاعته . وطاعته أن تكون ( المرأة ) {[5470]} محسنة إلى أهلها حافظة ( لمال زوجاها ) {[5471]} وفضله عليها بنفقته عليها وسعته ) .
وقيل : نزلت الآية في رجل لطم امرأته لطمة في وجهها{[5472]} فنشزت عن فراش زوجها واستعدت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ) {[5473]} لطمني زوجي فلان لطمة ، والشجة والضربة ثم أبصر النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام ينزل فقال لها : كفي حتى أنظر ما جاء به جبريل في أمرك " فاتاه بهذه الآية : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } ( ابن جرير تفسيره : 5/ 58 ) أي المسلطون على آداب النساء في الحق وقيل : تفضيلهم عليهن بالعقل والميراث والفيء والله أعلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أردنا الله أمرا وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير مما أردان " ( السيوطي في الدر المنثور 2/ 513 ) .
وقيل : في قوله : { وبما أنفقوا في أموالهم } بما ساقوا من المهر والنفقة استدل الشافعي ، رحمه الله ، بقوله تعالى : { الرجال قوامون على النساء } الآية على أن النكاح لا يجوز إلا بالولي فصرف في تأويل الآية غليهم ، وفيها { وبما أنفقوا } فيزم النفقة وهو لا يقول به .
وبعد فإن الآية لو كانت في الأولياء فهو في كل أمر ، لهن أمر لهن إليهم حاجة ، فخرج مخرج الحق لهن في أن يتولوهن العقود كلها ، ويقولوا في كفايتهن وكفالتهن لا أنهن لو قمن بأنفسهن يبطلن فعلهم{[5474]} فمثله أمر النكاح .
وأهل التأويل يحملون الآية على الأزواج ومن تدبر الآية علم أنها في ما قال أهل التأويل دون الذي ذهب إليه الشافعي والله أعلم .
وقوله تعالى : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } ( عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ) {[5475]} قال : { قانتات } يعني مطيعات والقانت هو المطيع ) ويحتمل مطيعات لله تعالى ، / ويحتمل مطيعات لله تعالى ، للأزواج ويحتمل { قانتات ) أي قائمات بأداء ما فرض الله عليهن من حقوقه وحقوق أزواجهن .
وقوله تعالى : { حافظات للغيب } قيل : { حافظات } لما استودعهن الله من حقه ، و{ حافظات للغيب } لغيب أزواجهن وقيل : { حافظات } لأنفسهن لغيبة أزواجهن في فروجهن ويحتمل { حافظات للغيب } أي لله في أموره ونواهيه والقائمات{[5476]} بحقوقه وقانتات وحافظات هو تفسير صالحات .
وقوله تعالى : { بما حفظ الله } اختلف في تلاوته وتأويله : في حرف بعضهم بالنصب { بما حفظ } الله وتأويله بحفظ الله ، / لكنه نصب لسقوط حرف الخافض{[5477]} ومن رفعه جعل تأويله بما استحظهن الله تعالى والله أعلم .
وقوله تعالى : { والتي تخافون نشوزهن } قال بعض أهل الأدب : سمى العلم خوفا لانه اضطر في العلم وقال آخر وهو الفراء : الخائف الظان لأنه يرجو ويخاف .
وأما الأصل في أنه سمى العلم خوفا لغلبته شدة الخوف فعمل عمل{[5478]} العلم بالشيء غير حقيقتهن لانه يعرف بالاجتهاد وبأكبر الرأي والظن . وهكذا كل ما كان سبيل معرفته الاجتهاد فإن غالب الظن واكبر الرأي عمل اليقين{[5479]} في الحكم وغن لم يكن هنالك حقيقة .
ألا ترى فوله تعالى : { فإن علمتهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } ( الممتحنة 10 ) ألزمنا العلم بظاهر علمنا وإن لم نصل على حقيقة إيمانهن ؟ فعلى ذلك إذا علم منها النشوز علم أكبر الظن وأغلبه يعمل عمل الذي ذكر في الآية العظة وغيرها لأن قوله تعالى : { تخافون نشوزهم } ليس على وجود النشوز منها للحال حقيقة ولكن على غالب الظن واكبر الرأي لأنها إذا كانت ناشزة كيف يعظها ؟ وكيف يهجرها ويضربها ؟ فدل أنه على غالب العلم .
أو لا ترى أنه من أكره على ان ينطق بكلمة الكفر فقبل او ضرب فخاف منه كان في حل وسعة ان ينطق بعد أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان ؟ وذلك إنما علم غالب الظن وأكبر الرأي لا يعلم علم حقيقة ثم أبيح له أن يعمل عمل حقيقة العلم فكذلك الأول والله أعلم .
نهى الله عز وجل المرأة عن خيانة زوجها وأمرها بطاعته في نفسها كما أمره ان يحسن عشرتها وهذا هو والله أعلم هو الحق الذي ذكره الله تعالى في سورة البقرة مجملا بقوله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } ( الآية 228 ) وفسر الحق عليهن في هذه السورة وهو{[5480]} ان تطيعه في نفسها وتحفظ غيبته .
ألا ترى أنه قال تعالى : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم سبيلا } ؟ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " حق الزوج على امرأته إذا دعاها وهي على قتب ان تطيعه " ( ابن ماجه 1853 ) .
وقوله تعالى : { فعظوهن } عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه قال ) {[5481]} ( عظوهن بكتب الله { فإن أطعنكطم } أي رجعن على الفراش والطاعة 'وإلا { واهجروهن } والهجر ألا يجامعهما ، أو لا يضاجعها على فراشه ويوليها الظهر فغن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح ، ولا تكسر لها عظما ، فإن أقبلت وإلا فقد حل لك منها الفداء .
ويحتمل قوله تعالى : { فطعوهن } أي يقول لها : كوني من الصالحات ومن القانتات ومن الحافظات ولا من كذا على الرفق واللين فإذا تركت{[5482]} ذلك ، وإلا فاهجرها والهجر يحتمل وجهين :
( أحدهما ) {[5483]} : التخويف على الاعتزال منها وترك المضاجعة والجماع .
والثاني{[5484]} : أن يهجرها ولا يجامعها إلا على التخويف من ترك ذلك . فإن تركت{[5485]} ذلك ، وإلا ضربها عند ذلك الضرب الذي ذكرنا غير مبرح ولا شائن والله أعلم على الترتيب : يعظها أولا بما ذكرنا من الرفق بها واللين لعلها أطاعته ، وتركت ذلك . ثم إذا لم تطعه خوفها بالهجران ، فلعل قلبها لا يحتمل الهجران وترك المضاجعة فتطيعه فإن أبت ذلك فحينئذ هجرها ، ولم يجامعها ولا يضاجعها . فإن أطاعته وإلا عند ذلك ضربها فغن أطاعته وإلا فعند ذلك يعرفان ( أمرهما ) {[5486]} على الحاكم . وهذا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الرفق واللين أولا ، ولا ( يغلظ له ) {[5487]} في القول . فغن هو قبل ذلك وإلا عند ذلك ( أغلظ له في القول ) {[5488]} فإن قبل ذلك وإلا بسط يده فيه على ما أمر الله سبحانه وتعالى الأزواج أن يعاملوا{[5489]} النساء من العظة ثم الهجران ثم الرفع إلى الحاكمين .
وروي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم / 93- ب/ ( أنه ) {[5490]} قال : " لا تضربوا إماء الله فترك الناس ضربهن فجاء عمر رضي الله عنه وقال{[5491]} ( والله لقد ذئر{[5492]} النساء يا رسول الله ) فأمر بضربهن قال : ( فطاف{[5493]} بآل محمد نساء يشتكين أزواجهن فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لقد طاف{[5494]} الليلة بآل محمد سبعون امرأة يشتكين الضرب ، والله لا تجدون أولئك خياركم " ) ( أبو داوود 2146 ) وقال : " خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " ( الترمذي 3895 ) وقال : " ( أكمل ) {[5495]} المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله بأهله " أبو داوود 4682 ) .
والموعظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة فيكون ذلك تذكير عواقب الأمور ومبادر الأحوال ، والله أعلم وعلى ذلك يعظها زوجها بأن يذكرها نعم الرب ، جل جلاله ، وما جعل من الحق ، وما وعد في ذلك وأوعد .
ففي هذه الآيات دلالة لزوم الاجتهاد تكليف ما لا يصل إلى معرفة المكلف به غلا بالتدبر والعرض على الأمور المعتادة او الأسباب المعقولة في جعلها أسبابا للمصلحة وسبلا للوقوف على ما في الأصول تلك النوازل من الحكمة ولا قوة إلا بالله .
ثم جعل تأديبهن على الأزواج لا إلى الأئمة إ العقوبة{[5496]} تكون بالضرب والحبس وما يلحقها من المكروه في ما له أمر التأديب مع ما في ذلك من السر ويكون الغالب منه لا يجد لسبيل الإظهار عند الحاكم ويكون في أوقات تضيق عن احتمال ذلك ، ويكون ذلك أصلا لتأديب كل كافل ( من أجرم من ) {[5497]} الأيتام والصغار وغير ذلك والله أعلم .
والأصل أن الله تعالى قال : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها بينكم مودة ورحمة } ( الروم 21 ) فيجعل التأديب من الوجه الذي فيه حفظ المجعول لنا آية ورعاية{[5498]} ما جعل بينهم من المودة والرحمة والمنازعات الخصومات إلى ( الحاكم يقطع تلك ) {[5499]} فجعل{[5500]} لهم من ذلك قدر ما لا يقطع مثله من التأديب المعنى المجعول بينهم . ولذلك لم يأذن بالضرب المبرح . ولا إذن إلا عند انقطاع الحيل التي تجعل الألفة والمحبة . على ان في خفيف ذلك إظهار الإشفاق على ما اعترض من خوف انقطاع المودة والرحمة وبداء العتاب الذي هو آية انصح والرحمة غذ ذلك بما يخاف في ترك ذلك تمام ما قد افتتح من السرر والشفقة ، والله أعلم ( وقيل في قوله تعالى : { وبما أنفقوا من أموالهم } بما ساقوا من المهر والنفقة ) {[5501]} .
وقيل في قوله تعالى : { واهجروهن في المضاجع } يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يهجرها في حال مضاجعته ){[5502]} إياها في ألا يكلمها ( لا في أن ) {[5503]} يترك مضاجعتها إذ المضاجعة حق بينهما عليه في تركها ما عليها لا يؤدبها بما{[5504]} يضر حقه ونفسه والله أعلم .
( والثاني : أن يهجرها في المضجع ) {[5505]} ومضاجعته أخرى في حقها فيكون حقا عليه في حال المواقعة وحفظ حدود الله بينهما إلا في حال التضييع وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ( يهجرها في ألا يجامعها ولا يضاجعها على فراشه ويوليها ظهره ) لكنه على هذا يشركان في التأديب لأنه به يؤدب نفسه في ذلك إلى حاجته لكن المعنى من ذلك ألا يجامعها لوقت علمه بشهوتها وحاجتها وإنما ينظر شهوته دونها .
وقوله تعالى : { فلا تبغوا عليهن سبيلا } إن أطعنكم أي لا تطلبوا عليهن عللا وقيل : لا تكلفوهن الحب وإنما جعل الله المواعظة{[5506]} والهجران والضرر في المضاجع وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( فإن أطاعته فلا سبيل له عليها ) .
ثم الضرب هو ما ذكرنا أنه يضربها ضربا غير مبرح وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فإن أطاعنه فلا سبيل له عليها ) .
ثم الضرب هو ما ذكرنا انه يضربها ضربا غير مبرح وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه ( أنه ) {[5507]} قال : " علق سوطك أو ضع حيث تراه أهلك ، ولا تضربها به قيل وبم نضرب ؟ قال : بنعليك ضربا غير مبرح " الطبراني في الكبير 10672 ) يعني غير مؤثر ولا شائن . وروي في خبر آخر ( أنه ) {[5508]} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن ، بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وغن بكلمة الله ، وغن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهون ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ( مسلم 1218 .
وقوله تعالى : { إن الله كان عليا كبيرا } هذا والله أعلم تذكيره من عباده وأمر منه إياهم أنه مع علوه وسلطانه وعظمته وجلاله وقدرته لا يؤخذان بأول عصيان نعصيه ولا بأول عثرة نعثرها مع قدرته على الأخذ على ذلك وإهلاكه إياهم ، لا تؤاخذوهن أيضا بأول معصيته يعصن فيكم ، والله أعلم ويحتمل ذكر هذه الآية وهو كذلك ليذكر علوة وكبره ، فيحفظ حده في ما جعل له التأديب ، ويذكر قدرته عليه .