التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{ٱلرِّجَالُ قَوَّـٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا} (34)

{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ( 1 ) حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ( 2 ) نُشُوزَهُنَّ( 3 ) فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ( 34 ) } .

( 1 ) قانتات : مطيعات

( 2 ) تخافون : هنا بمعنى تتوقعون أو تتيقنون من وقوعه

( 3 ) نشوزهن : عصيانهن وتمردهن

تعليق على الآية

( الرجال قوامون على النساء ) الخ وتمحيص مسألة قوامة الرجل على النساء وحدودها وتأديب الزوجة ومداه .

الخطاب في الآية موجه إلى المسلمين . وقد تضمنت :

( 1 ) تقرير حق القوامة والإشراف للرجال على النساء ، مع تعليل ذلك بأنه بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من مزايا خاصة ، ثم بسبب ما ينفقونه من الأموال .

( 2 ) تنويها بالمرأة الصالحة ووصفا لها . فهي المطيعة المسالمة الحافظة بما أمر الله حفظه من حقوق زوجها في غيبته .

( 3 ) إشارة إلى المرأة التي لا تتصف بهذا الوصف . ويبدر منها بوادر العصيان والانحراف عن واجبها ، وإيجاب عظتها وردعها بالكلام أولا ، فإذا لم تتعظ وترتدع فبالهجر ، فإذا لم يجد فبالضرب . وإيجاب توقف الرجل عن ذلك ، حالما يبدو من زوجته طاعة وإذعان . وتقرير كون الله لم يجعل للرجل حق الاستمرار في الموقف الخشن من المرأة بدون حق وضرورة وهو العلي فوق الجميع ، الكبير الذي يجب أن يطاع ويخشى .

ولقد روى المفسرون{[550]} أن الآية نزلت في مناسبة لطم أحد الأنصار لزوجته فأخذها أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكيا . فأمر النبي بالاقتصاص من الزوج ، فلما انصرفا استرجعهما وقال : أتاني جبريل بهذه الآية ، ولقد أردنا أمرا وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير .

والرواية لم ترد في الصحاح ، ولا نراها متسقة مع الآية وفحواها وهدفها .

والذي يتبادر لنا أن الآية غير منقطعة عن سابقاتها . فالسابقات احتوت تثبيت حقوق المرأة المالية والزوجية وتعظيم شأنها ، ووصت بالاعتراف بها واحترامها ، فجاءت هذه الآية لتستدرك ذكر ما للرجال من حق على النساء .

ويلحظ أن الآية مع جعلها الرجال قوامين على النساء وفي منحها لهم حق تأديب الناشزات منهن تظل كما هو ظاهر من فحواها وروحها في نطاق التلقين القرآني العام الذي يوجب على الرجال عدم اضطهاد النساء وإعناتهم ومخاشنتهم بدون مبرر مشروع معقول .

وجملة ( الرجال قوامون على النساء ) وإن كانت مطلقة فإن روح الآية التي وردت فيها ونصها معا يسوغان القول : إنها في صدد تقرير قوامة على الزوجة في الحياة الزوجية دون الشؤون الأخرى . والآية التي تأتي بعد هذه الآية من الأدلة الحاسمة على ذلك ؛ لأنها تذكر احتمال الشقاق بينهما . ( وكلمة ( بينهما ) لا يمكن أن تعني إلا الزوجين والحياة الزوجية بالتالي . ويؤيد هذا تقريرات القرآن لحق المرأة في تزويج نفسها وقبض مهرها والتصرف فيه وحقها في التصرف في نفسها بعد الطلاق وبعد وفاة زوجها في ما يدخل في يدها من مال من طريق الإرث وغيره وأهليتها في التصرف فيه هبة ووصية وإدانة ، وحقها في الاستدانة .

وتملك العقار والمماليك والتصرف في كل ذلك مما سبق شرحه في سياق آيات سابقة . ويساق بعض الأحاديث الموهمة نقضا لما نقرره . منها حديث رواه الطبراني عن الأسقع ابن واثلة جاء فيه ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس لامرأة أن تنتهك من مالها شيئا إلا بإذن زوجها إذا ملك عصمتها ) وقد قال الطبري : إن بين رواة هذا الحديث من لا يعرفهم مما يوجب التوقف فيه . ومنها حديث قد يكون أقوى سندا رواه أصحاب السنن جاء فيه ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي النساء خير قال : التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ) {[551]} وواضح أنه ليس في هذا الحديث منع الزوجة عن التصرف بمالها وممارسة أي نشاط مشروع آخر . بل فيه إقرار لحقها في ذلك . وكل ما فيه تحذير بأن لا يكون في ذلك عصيان لأمره أو ما يكرهه . وفرق كبير بين هذا النص والنص السابق . ومع ذلك فإن الزوجة إذا رأت أن تفعل ما تراه حقا مشروعا في مالها ونفسها وكرهه زوجها ورأت في موقفه تعسفا ، وأدى ذلك إلى شقاق فيكون لها الرجوع إلى الحاكم لحل الأمر في نطاق الآية التالية على ما سوف نشرحه بعد . وهذا يكون للزوجة حتى في صحة الحديث الأول .

وإذا كان القرآن سكت عن حريتها في النشاط الاجتماعي والسياسي ، فلا يعني ذلك أنها محرومة من حقها بذلك بدون قوامة الرجل أيضا بدليل أن القرآن خاطبها بكل ما خاطب الرجل ورتب عليها كل ما رتب على الرجل من إيمان وعمل وعلم وتدبر وتفكر وتذكر وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ودعوة إلى الخير وتواص بالحق والصبر وإنفاق في سبيل الله وهجرة في سبيله . وذكر مشاركتها في كل ذلك على ما أوردناه نصوصه في مناسبات سابقة وبخاصة في سياق تفسير آيات البقرة ( 9 14 ) وآل عمران ( 195 ) والأحزاب ( 72 73 ) مما يدخل فيه ذلك النشاط وحقها فيه . وفي سورة التوبة آية تقرر واقع المؤمنات وممارستهن للشؤون العامة كالمؤمنين مما فيه تأييد لذلك أيضا ، وهي ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) .

ومع ما قلناه من أن قوامة الرجال على النساء في الآية هي في صدد الحياة الزوجية ، فإننا نقول أيضا : إن آيات عديدة مرت في هذه السورة وفي سورتي البقرة والروم يمكن أن يكون فيها قيود وضوابط لهذه القوامة ؛ حيث تأمر برعاية الزوجية وتنوه بعظمة شأن الرابطة الزوجية وكونها قائمة على المودة والرحمة ، وتثبت للزوجة حقوقا على زوجها مثل الذي عليها مما يدخل فيه حسن المعاشرة والتحمل وعدم البغي عليها والطمع في مالها ومكايدتها ومضارتها والوفاء والأمانة والانسجام والتشاور في شؤون البيت والأسرة والتكريم والترفيه والمساعدة الخ . وما ذكرته آية البقرة من الدرجة للزوج على الزوجة هي هذه القوامة الزوجية التي جعلت له المزايا الطبيعية والاجتماعية التي امتاز بها وللأموال التي ينفقها ، ومما كان ولا يزال ولن يزال متسقا مع طبائع الأمور ، ومما ليس فيه ما يثقل على الطبيعة البشرية أو يتناقض معها مهما وصل الإنسان إليه من حضارة وثقافة .

ولقد قال بعض الأئمة والمفسرين : إن حق القوامة للزوج يزول إذا قصر أو امتنع عن النفقة ، وهذا وجيه متفق مع ما يلهمه روح ونص الآية التي جعلت الإنفاق من أسباب منحه هذا الحق .

ولقد روى المفسرون : أن جملة ( وبما أنفقوا من أموالهم ) عنت ما دفعوه من مهور . ومنهم من قال : إنها المهور وما بعدها من نفقات الكساء والغذاء المستمرة ، وهذا هو الأوجه . وهناك أحاديث نبوية وصحابية وتابعية في مدى العبارات الأخرى في الآية .

ففي صدد وصف ( فالصالحات ) روى الطبري حديثا بصراحة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالها ، ثم قرأ الآية ) وهذا الحديث مقارب لما رواه أصحاب السنن وأوردناه قبل . وهناك حديث رواه مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) {[552]} وحديث رواه الشيخان عن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خير نساء ركبن الإبل صالحو نساء قريش . أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ) {[553]} والأحاديث الرائعة في وصفها وتنويهها بالمرأة الصالحة ، ثم في حثها المرأة المسلمة على الاتصاف بالصفات المحببة التي تجعلها كذلك . وفي صدد جملة ( حافظات للغيب بما حفظ الله ) روى الطبري وغيره أنها بمعنى ( حافظات لما استودعهن الله من حقه ولغيب أزواجهن ) أو ( حافظات لفروجهن ومال أزواجهن ) والأقوال سديدة متسقة مع روح الآية .

وفي صدد ( النشوز ) رووا أنه الامتناع عن الاستجابة لطلب الزوج الجنسي أو عدم إطاعته في ما أوجب الله عليها إطاعته فيه أو جنوح الزوجة إلى المعصية والتمرد وكراهية زوجها وأهله . وكل هذا سديد كذلك . مع التنبيه على أن الطبري نبه عزوا إلى عكرمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أن طاعة الزوجة لزوجها مشروطة بأن تكون في معروف . أي أن ما يأمرها به ويجب طاعتها له ، وهو ما يكون فيه توافق مع كتاب الله وسنة رسوله ومكارم الأخلاق المتعارف أنها كذلك . وصحة ما يرويه الطبري عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم محتملة ، وهو متسق مع التلقينات القرآنية والنبوية الوثيقة .

فالله حينما أمر النبي بأخذ البيعة من النساء كان من جملة ذلك ( ولا يعصينك في معروف ) على ما جاء في آية سورة الممتحنة ( 12 ) التي سوف يأتي شرحها في مناسبتها . ومن باب أولى أن يكون ذلك في صدد ما نحن فيه . بحيث يمكن أن يقال بجزم : إنه ليس للزوج في أي حال أن يسيء استعمال القوامة التي منحها الله له على زوجته . إذا ما أطاعته في ما هو حق ومعروف وغير معصية في ذات نفسها وفي نطاق الحياة الزوجية ، وكانت وفية أمينة له حافظة لما له وسمعته وعرضه في الحضور والغياب . وفي هذا تلقين مزدوج ؛ حيث يكون من جهة ضابطا تنتظم به الصلات الزوجية ، ومن جهة زاجرا لسيئ الأخلاق من الأزواج الذين يحاولون قهر زوجاتهم بالعنف والشتائم بدون داع ولا مبرر ، وإذا تجاوز الزوج النطاق المشروع ، فللزوجة أن لا تمتثل لأمره ، فإذا أصر فيكون الأمر حالة شقاق ، وللزوجة أن ترفع أمرها للقضاء لحلها وفاقا للآية ( 34 ) على ما سوف يأتي شرحه بعد قليل .

وحق التأديب الذي منح للزوج على زوجته إنما يكون والحالة هذه في حالة نشوزها الموصوف مداه وعدم طاعتها في ما هو حق ومعروف وشذوذها في أخلاقها ومعاملتها له ولأهله بالسوء والأذى وعدم وفائها وأمانتها ، ولا يمكن لعاقل منصف أن يرى فيه حيفا أو جنفا وهو متدرج بحيث تكون العظة والنصيحة أولا ، فإذا استمر فالهجر في المضاجع الذي يقصد منه على ما عليه الجمهور الامتناع عن وطئها وتحويل وجهه عنها في الفراش الواحد إشعارا لها بعدم رضائه عنها . فإذا استمر النشوز جاز له ضربها . وإذا لاحظنا أن الضرب جاء كآخر وسيلة أولا ، وأنه على سبيل الإباحة لا الإيجاب ثانيا ، ولا يكون إلا بعد استنفاد وسيلتي العظة والنصح والهجران ثالثا . وبعبارة أخرى إلا في حالة التمرد الشديد والإصرار على النشوز والشذوذ وسوء الخلق والتصرف بدا لنا ما قد يبدو غريبا ليس هو كذلك في حقيقة الأمر ، بل هو احتياط حكيم في شريعة مرشحة لكل ظرف وفئة من حيث إن ظروف الناس وحالاتهم لا تدخل تحت حصر . فقد يكون هناك ظروف وحالات خاصة من حيث الوقائع وطبقات الناس يكون الضرب فيها وسيلة لا بد منها ، وليس من وسيلة غيرها للردع والتأديب أو وسيلة يتفادى بها كارثة الطلاق وغيرها من كوارث الزوجية مما هو جائز الوقوع وسائغ في العقول وممارس فعلا في كل ظرف ومكان .

وهناك مأثورات نبوية في صدد الضرب ، إذا ما أتت الزوجة ما يستحق ؛ حيث جاء في خطبة حجة وداع النبي التي يرويها مسلم وأبو داود أن تضرب ضربا غير مبرح{[554]} وفي حديث آخر نهى عن الضرب على الوجه والتقبيح والهجر{[555]} .

ويروي الطبري عن ابن عباس أن الضرب غير المبرح هو : أن يكون غير مؤثر أو بالسواك ويروي الخازن عن الشافعي أن الضرب مباح وتركه أفضل . وهناك أحاديث نبوية تنهى بشدة عن الضرب بدون مبرر مشروع . منها حديث رواه البخاري والترمذي عن عبد الله ابن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم ) {[556]} وحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن إياس ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تضربوا إماء الله ، فجاء عمر فقال : يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن ، فأذن بضربهن ، فأطاف بآل محمد نساء كثير ، يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد طاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ، ولا تجدون أولئك خياركم ) {[557]} .

وتلخيصا لما تقدم واستنادا إلى ما في الآيات القرآنية عامة وآيات سورة البقرة ( 231 - 236 ) وآيات هذه السورة ( 14 19 ) والآية التي نحن في صددها ثم إلى ما في الأحاديث النبوية من تلقينات وحدود يصح أن يقال : إن قوامة الرجل على زوجته محصورة في مجال الحياة الزوجية غير الممتدة إلى غيره من المجالات المالية والمدنية والاجتماعية والسياسية ، وأن واجب الطاعة على الزوجة لزوجها وعدم مخالفتها له في نفسها ومالها بما يكره مشروطان بأن يكون ما يطلبه منها مشروعا في غير معصية وغير معطل لما قرره لها القرآن من حقوق متنوعة . وأن حق التأديب الممنوح له مشروط بشذوذ الزوجة وانحرافها وتمردها وسوء خلقها وعدم وفائها وأمانتها مع التدرج في التأديب وتقديره بقدرة واستهداف الإصلاح والصلاح منه .

وعدم الاندفاع فيه أكثر مما تقتضيه الحالات الداعية له وبخاصة في الضرب ومداه . وأن على الرجل في غير ذلك مراعاة حقوق زوجته ومعاملتها بالوفاء والأمانة والحفظ والرعاية والإنفاق وحسن المعاشرة والمودة وتجنب العنف والقهر والغلظة والتسرع في مؤاخذتها وضربها على ما ليس فيه شذوذ ونشوز خطيران ، وتحمل ما يمكن تحمله منها مما ليس فيه ذلك . وفي هذا كل الحق والخير والمصلحة للزوجين والرابطة الزوجية وللمجتمع الإنساني الذي تكون هذه الرابطة نواته الرئيسية .

وهذا يلحظ أنه ليس في القرآن إشارة صريحة في امتداد قوامة الرجل إلى أخواته وبناته . وقد يصح أن يقال : إن كتاب الله قد اهتم للمسألة الأكثر ورودا وحدوثا . والألزم للتوضيح والتنبيه وهي العلاقة الزوجية التي هي أصل كيان الأسرة وتفرعاتها . وهناك حديث مشهور رواه الخمسة عن عمر جاء فيه ( والرجل راع على أهل بيته ، وهو مسؤول عن رعيته ) فيمكن أن يقال : إن هذا الحديث قد يجعل للرجل على غير زوجته وبخاصة من هم في كنفه من أفراد أسرته من النساء قوامة ما بحيث يكون له بذلك حق مراقبتهن والإشراف على سلوكهن وتقويم ما قد يبدو منهن من انحراف وشذوذ وتمرد وسوء خلق في نطاق ما احتوته الآية التي نحن في صددها .

وقياسا على مدى هذه الآية وعلى ضوء شروحنا المتقدمة يمكن القول : إن الأهلية المالية والمدنية والاجتماعية والسياسية للبالغات منهن تظل محفوظة لهن دون أن تمتد قوامة الرجل إليها لتعطلها بدون سبب مشروع من كتاب الله وسنة رسوله ومكارم الأخلاق المتعارفة . كما هو الشأن بالنسبة لزوجته . والله تعالى أعلم .

ونرى المناسبة للاستطراد إلى ما يسمى بيت الطاعة ، فقد يحصل شقاق بين الزوجين في أمر السكنى ، وتذهب الزوجة مغاضبة لبيت أهلها فيرفع الزوج الأمر للقضاء ، ويثبت أنه هيأ لزوجته مسكنا شرعيا ، ويصدر القاضي حكما على الزوجة بطاعة زوجها والسكن في البيت الذي هيأه لها . ويناط تنفيذ ذلك بواسطة الشرطة إذا رفضت الزوجة الامتثال وتجبر على ذلك بالقوة ، وليس لهذا الإجراء سند قرآني . ولم نطلع فيه على أثر نبوي صحيح . والزوجية وفاق وتراض وإمساك بالمعروف أو تسريح بالمعروف مما يسوغ القول : إن هذا الإجراء مخالف لروح التلقينات القرآنية النبوية ومؤذ للكرامة الإنسانية . ومذهب لمعنى المودة والرحمة اللتين يجب أن تقوم عليهما العلاقة الزوجية . وكل ما يصح للزوج هو الامتناع عن الإنفاق على الزوجة إذا أبت تنفيذ رغبته والسكن حيث يطلب منها . ثم تطبيق أحكام الآية التي نحن في صددها من حيث الصلح والتوفيق والتراضي أو التسريح بالإحسان . والله تعالى أعلم .


[550]:انظر الخازن وابن كثير والطبرسي والطبري والبغوي
[551]:التاج ج2 ص 258
[552]:التاج ج 2 ص 257
[553]:المصدر نفسه
[554]:التاج ج 2 ص 143 و 144
[555]:المصدر نفسه ص 288 والراجح أن الهجر والتقبيح هناك في معنى الشتائم والفظاظة
[556]:المصدر نفسه ص 298
[557]:المصدر نفسه