مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

{ فَاطِرُ السماوات والأرض } ارتفاعه عل أنه أحد أخبار { ذلكم } أو خبر مبتدأ محذوف { جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } خلق لكم من جنسكم من الناس { أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا } أي وخلق للأنعام أيضاً من أنفسها أزواجاً { يَذْرَؤُكُمْ } يكثركم . يقال : ذرأ الله الخلق بثهم وكثرهم { فِيهِ } في هذا التدبير وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل ، واختير { فِيهِ } على «به » لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير .

والضمير في { يَذْرَؤُكُمْ } يرجع إلى المخاطبين والأنعام مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } قيل : إن كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفي التماثل وتقديره ليس مثله شيء . وقيل : المثل زيادة وتقديره ليس كهو شيء كقوله تعالى : { فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنْتُمْ بِهِ } [ البقرة : 137 ] . وهذا لأن المراد نفي المثلية ، وإذا لم تجعل الكاف أو المثل زيادة كان إثبات المثل . وقيل : المراد ليس كذاته شيء لأنهم يقولون «مثلك لا يبخل » يريدون به نفي البخل عن ذاته ويقصدون المبالغة في ذلك بسلوك طريق الكناية ، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده فقد نفوه عنه فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله «ليس كالله شيء » وبين قوله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكأنهم عبارتان متعقبتان على معنى واحد وهو نفي المماثلة عن ذاته ونحوه { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [ المائدة : 64 ] فمعناه بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط لها ، لأنها وقعت عبارة عن الجود حتى إنهم استعملوها فيمن لا يد له فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له { وَهُوَ السميع } لجميع المسموعات بلا أذن { البصير } لجميع المرئيات بلا حدقة ، وكأنه ذكرهما لئلا يتوهم أنه لا صفة له كما لا مثل له .