مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (102)

{ وَءَاخَرُونَ } أي قوم آخرون سوى المذكورين { اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ } أي لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم ، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا نادمين وكانوا عشرة ، فسبعة منهم لما بلغهم ما نزل في المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين ، وكانت عادته كلما قدم من سفر فرآهم موثقين فسأل عنهم ، ففذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلهم فقال« : " وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم » " فنزلت ، فأطلقهم فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا فقال : " «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً » " فنزل { خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً } { خَلَطُواْ عَمَلاً صالحا } خروجاً إلى الجهاد { وَءاخَرَ سَيِّئاً } تخلفاً عنه ، أو التوبة والإثم وهو من قولهم «بعت الشاء شاة ودرهما » أي شاة بدرهم ، فالواو بمعنى الباء لأن الواو للجمع والباء للإلصاق فيتناسبان ، أو المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر فكل واحد منهما مخلوط ومخلوط به كقولك «خلطت الماء واللبن » تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه بخلاف قولك «خلطت الماء باللبن » لأنك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به . وإذا قلته بالواو فقد جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما كأنك قلت «خلطت الماء باللبن واللبن بالماء » { عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ } ولم يذكر توبتهم لأنه ذكر اعترافهم بذنوبهم وهو دليل على التوبة