البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (102)

{ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم } : نزلت في عشرة رهط تخلفوا عن غزوة تبوك فلما دنا الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة أوثق سبعة منهم .

وقيل : كانوا ثمانية منهم : كردم ، ومرداس ، وأبو قيس ، وأبو لبابة .

وقيل : سبعة .

وقيل : ستة أوثق ثلاثة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، فيهم أبو لبابة .

وقيل : كانوا خمسة .

وقيل : ثلاثة أبو لبابة بن عبد المنذر ، وأوس بن ثعلبة ، ووديعة بن خذام الأنصاري .

وقيل : نزلت في أبي لبابة وحده .

ويبعد ذلك من لفظ وآخرون ، لأنه جمع ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد حين قدم فصلى فيه ركعتين ، وكانت عادته كلما قدم من سفر ، فرآهم موثقين فسأل عنهم : فذكروا أنهم أقسموا لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم ، رغبوا عني ، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين » فنزلت ، فأطلقهم وعذرهم .

وقال مجاهد : نزلت في أبي لبابة في شأنه مع بني قريظة حين استشاروه في النزول على حكم الله ورسوله ، فأشار هو لهم إلى حلقه يريد أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يذبحهم إن نزلوا ، فلما افتضح تاب وندم ، وربط نفسه في سارية في المسجد ، وأقسم أن لا يطعم ولا يشرب حتى يعفو الله عنه أو يموت ، فمكث كذلك حتى عفا الله عنه .

والاعتراف : الإقرار بالذنب عملاً صالحاً توبة وندماً ، وآخر سيئاً .

أي تخلفاً عن هذه الغزاة قاله : الطبري ، أو خروجاً إلى الجهاد قبل .

وتخلفاً عن هذه قاله : الحسن وغيره .

أو توبة وإثماً قاله : الكلبي .

وعطف أحدهما على الآخر دليل على أنّ كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به ، كقولك : خلطت الماء واللبن ، وهو بخلاف خلطت الماء باللبن ، فليس فيه إلا أنّ الماء خلط باللبن ، قال معناه الزمخشري : ومتى خلطت شيئاً بشيء صدق على كل واحد منهما أنه مخلوط ومخلوط به ، من حيث مدلولية الخلط ، لأنها أمر نسبي .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون من قولهم : بعت الشاء شاة ودرهماً ، بمعنى شاة بدرهم .

والاعتراف بالذنب دليل على التوبة ، فلذلك قيل : عسى الله أن يتوب عليهم .

قال ابن عباس : عسى من الله واجب انتهى .

وجاء بلفظ عسى ليكون المؤمن على وجل ، إذ لفظة عسى طمع وإشفاق ، فأبرزت التوبة في صورته ، ثم ختم ذلك بما دل على قبول التوبة وذلك ، صفة الغفران والرحمة .

وهذه الآية وإن نزلت في ناس .

مخصوصين فهي عامة في الأمة إلى يوم القيامة .

وقال أبو عثمان : ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله : وآخرون اعترفوا بذنوبهم .

وفي حديث الإسراء والمعراج من تخريج البيهقي : أنّ الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وتابوا رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم حول إبراهيم ، وفي ألوانهم شيء ، وأنهم خلطت ألوانهم بعد اغتسالهم في أنهر ثلاثة ، وجلسوا إلى أصحابهم البيض الوجوه .