بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (102)

قوله تعالى : { وَءاخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ } ، يعني : بتخلفهم عن الغزو وهم : أبو لبابة بن عبد المنذر ، وأوس بن ثعلبة ، ووديعة بن خزام . { خَلَطُواْ عَمَلاً صالحا } ، وهو التوبة ، { وآخر سيئا } بتخلفهم عن غزوة تبوك . وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : تخلف أبو لبابة عن غزوة تبوك ، فربط نفسه بسارية المسجد ، ثم قال : والله لا أحلّ نفسي منها ، ولا أذوق طعاماً ، ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليّ . فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً ، حتى كاد يخر مغشياً عليه ، حتى تاب الله عليه فقيل له : قد تيب عليك . فقال : والله لا أحل نفسي ، حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحلّه بيده . ثم قال أبو لبابة : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن انخلع من مالي كله وأجعله صدقة لله تعالى ولرسوله .

فقال : « يُجْزِيكَ الثُّلُثُ يا أبا لُبَاَبَة » . وروي عن الزهري ، عن كعب بن مالك قال : أول أمر عتب على أبي لبابة أنه كان بينه وبين يتيم عذق ، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقضى به لأبي لبابة فبكى اليتيم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « دَعْهُ » فأبى . قال : « فَأَعْطِهِ إيّاهُ وَلَكَ مِثْلُهُ فِي الْجَنَّةِ » . قال : لا . فانطلق أبو الدحداحة ، فقال لأبي لبابة : بعني هذا العذق بحديقتي ؟ قال : نعم . ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن أعطيت هذا اليتيم هذا العذق ألي مثله في الجنة ؟ قال : « نَعَمْ » . فأعطاه إيّاه قال وأشار أبو لبابة إلى بني قريظة حين نزلوا على حكم سعد بن معاذ . وأشار إلى حلقه يعني : الذبح ، والثالث أنه تخلف عن غزوة تبوك ثم تيب عليه ، فذلك قوله : { عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ، وعسى من الله واجب أن يتجاوز عنهم . { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .