غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (102)

100

ثم قال { وآخرون } وهو معطوف على { منافقون } أو مبتدأ . و{ اعترفوا } صفته و{ خلطوا } خبره { عسى الله } جملة مستأنفة . وقيل : { خلطوا } حال بإضمار «قد » { عسى الله } خبر . وللمفسرين خلاف في أنهم قوم من المنافقين تابوا عن نفاقهم أو قوم من المسلمين تخلفوا عن غزوة تبوك لا للكفر والنفاق ولكن للكسل ثم ندموا على ما فعلوا . عن ابن عباس في رواية الوالبي نزلت في قوم كانوا قد تخلفوا ثم ندموا وقالوا نكون في الكن والظلال مع النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد . روي أنهم كانوا ثلاثة : أبو لبابة مروان بن عبد المنذر وأوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام . وقيل : كانوا عشرة فسبعة منهم حين بلغهم ما نزل في المتخلفين فأيقنوا بالهلاك أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد وقالوا : والله لا نطلق أنفسنا حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنا ويعذرنا . فقدم رسول الله فدخل المسجد وصلى ركعتين - وكانت هذه عادته كلما قدم من سفر - فرآهم موثقين فسأل عنهم فقالوا : هؤلاء تخلفوا عنك فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم وترضى عنهم . فقال رسول الله : وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أومر بإطلاقهم فنزلت هذه الآية فأطلقهم وعذرهم فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا وإنما تخلفنا عنك بسببها فتصدق بها وطهرنا . فقال : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً فنزل { خذ من أموالهم صدقة } الآية . والاعتراف هو الإقرار بالشيء عن معرفة والمراد أنهم أقروا بذنوبهم وهذه كالمقدمة للتوبة لأن الاعتراف بالذنب لا يكون توبة إلا إذا اقترن به الندم على الماضي والعزم على تركه في الحال . وفي الاستقبال { خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } أي خلطوا كل واحد منهما بالآخر كقولك : خلطت الماء واللبن . وهذا أبلغ من قولك : خلطت الماء باللبن . لأنك جعلت في الأول كلاً منهما مخلوطاً ومخلوطاً به كأنك قلت : خلطت الماء باللبن واللبن بالماء . ويجوز أن يكون الواو بمعنى الباء من قولك : بعت شاة ودرهماً أي شاة بدرهم . وذلك أن الواو للجمع والباء للإلصاق فهما متقاربان . ويجوز أن يقال : الخلط هاهنا بمعنى الجمع . قال أهل السنة : فيه دليل على نفي القول بالمحابطة لأنه لو لم يبق العملان لم يتصور اختلاطهما . وفي قوله { عسى الله أن يتوب عليهم } دليل على وقوع التوبة التي أخبر بحصول مقدمتها وهي الاعتراف منهم ، وفيه دليل على قبول توبتهم لأن { عسى } من الكريم إطماع واجب . وفائدته أن يكون المكلف على الطمع والإشفاق فلا يتكل ولا يهمل ، وفيه أن التوبة بخلق الله . وقالت المعتزلة : معنى أن يتوب أن يقبل التوبة . ورد بأنه عدول عن الظاهر مع أن الدليل العام وهو وجوب انتهار الكل إلى مشيئته وتكوينه يعضد ما قلناه .

/خ110