التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (102)

قوله تعالى : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخرون سيئا عيسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم } { آخرون } معطوف على { منافقون } وقيل : مبتدأ ، وخبره جملة { خلطوا } {[1883]} .

وهذه طائفة من المسلمين ، من ضعاف العزائم والهمم في أمر دينهم . إذ لم يكونوا منافقين تماما كالذين تخلفوا عن الجهاد تكذيبا ؛ لشرع الله وشكا في الدين ورغبة عن رسول الله . ليس هؤلاء كأولئك ؛ بل إن هؤلاء تخلفوا كسلا ورغبة في الدعة والاسترخاء والراحة مع إيمانهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق . وأن ما جاءهم به لهو من عند الله وأنه حق . وهؤلاء قد أقروا بذنوبهم التي اكتسبوها وكان لهم في مقابلتها أعمال أخرى حسنة فاختلطت حسناتهم وسيئاتهم . وأمثال هؤلاء مردهم إلى رحمة الله وعفوه .

وقيل : المراد بهم أناس معينون تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغش والنفاق ؛ بل على سبيل الضعف وتعثر الهمة فقط ؛ فقد تخلف هؤلاء عن الذهاب إلى تبوك ، ثم غشيتهم بعد ذلك غاشية من التوبة الصادقة والندم الأسيف حتى أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع في المسجد عليهم . فلما رآهم قال : ( من هؤلاء الموثقون أنفسهم ؟ ) قالوا : هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله وقد أقسموا أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت تطلقهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأنا أقسم بالله تعالى لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم ) . فأنزل الله تعالى الآية . فأرسل عليه الصلاة والسلام إليهم فأطلقهم وعذرهم{[1884]} وفي رواية أخرى أنهم كانوا ثلاثة . وأخرى أنهم ثمانية . وهذه الآية وإن كانت في أناس معينين لكنها تعم بفحواها كل المذنبين المقصرين الذين قعدوا عن أداء الواجب كسلا وتهاونا واسترخاء ، وخلطوا أعمالا حسنة بأخرى سيئة .

قوله : { عسى الله أن يتوب عليهم } عسى من الله واجب كما قال ابن عباس . والصحيح أنها لفظة { للإطماع والإشفاق ؛ فيظل المذنب على وجل من الله وهو يغمره الخوف والرجاء والأمل في عفو الله وغفرانه .

قوله : { إن الله غفور رحيم } وهذه تفيد تحقيق التوبة والمغفرة من الله ، فهو سبحانه قابل التوب ، عظيم المغفرة ، بالغ الرحمة بالعباد ، يتجاوز عن سيئات المذنبين التائبين{[1885]} .


[1883]:الدر المصون جـ 6 ص 115.
[1884]:رواه البيهقي عن ابن عباس.
[1885]:روح المعاني ج، 6 ص 4 والبحر المحيط جـ 5 ص 98، 99.