محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

112- سورة الإخلاص

مكية ، وآيها أربع .

روى البخاري{[1]} عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب { قل هو الله أحد } ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك " ، فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخبروه أن الله تعالى يحبه " .

وروى الإمام أحمد {[2]} عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن " ، وأخرجه البخاري في قصة .

وروى الإمام أحمد{[3]} عن أبي بن كعب " أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى هذه السورة " .

{ قل هو الله أحد } أي الخبر الحق المؤيد بالبرهان الذي لا يرتاب فيه ، وهو ما يعبر عنه النحويون بالقصة أو الحديث أو الشأن . قال أبو السعود : ومدار وضعه موضعه مع عدم سبق ذكره الإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد ، وإليه يشير كل مشير ، وإليه يعود كل ضمير { الله أحد } أي واحد في الألوهية والربوبية ، قال الزمخشري :{ أحد } بمعنى واحد . وقال ابن الأثير :( الأحد ) في أسمائه تعالى ، الفرد الذي لم يزل وحده ، ولم يكن معه آخر . والهمزة فيه بدل من الواو ، وأصله ( وحد ) ؛ لأنه من الوحدة . وفي ( المصباح ) : يكون ( أحد ) مرادفا ( لواحد ) في موضعين سماعا : أحدهما : وصف اسم البارىء تعالى ، فيقال : هو الواحد ، وهو الأحد ، لاختصاصه بالأحدية ، فلا يشركه فيها غيره ، ولهذا لا ينعت به غير الله تعالى ، فلا يقال :( رجل أحد ) ، ولا ( درهم أحد ) ، ونحو ذلك .

والموضع الثاني أسماء العدد للغلبة ، وكثرة الاستعمال ، فيقال : أحد وعشرون ، وواحد وعشرون ، في غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال ، بأن ( الأحد ) لنفي ما يذكر معه ، فلا يستعمل إلا في الجحد لما فيه من العموم نحو ما قام أحد ، أو مضافا نحو ( ما قام أحد الثلاثة ) ، و ( الواحد ) اسم لمفتتح العدد ، ويستعمل في الإثبات مضافا وغير مضاف ، فيقال ( جاءني واحد من القوم ) انتهى .

وقال الأزهري : الواحد من صفات الله تعالى معناه أنه لا ثاني له ، ويجوز أن ينعت الشيء بأنه واحد ، فأما ( أحد ) فلا ينعت به غير الله تعالى ، لخلوص هذا الاسم الشريف له جل ثناؤه .

قال الإمام : ونكر الخبر ؛ لأن المقصود أن يخبر عن الله بأنه واحد لا بأنه لا واحد سواه ، فإن الوحدة تكون لكل واحد . تقول : ( لا أحد في الدار ) ، بمعنى لا واحد من الناس فيها ، والذي كان يزعمه المخاطبون هو التعدد في ذاته ، فأراد نفي ذلك بأنه أحد ، وهو تقرير لخلاف ما يعتقد به أهل الأصلين من المجوس ، وما يعتقده القائلون بالثلاثة منهم ومن غيرهم ، وسيأتي لابن تيمية كلام آخر في سر إيثاره بالنكير .


[1]:(4 النساء 15 و 16).
[2]:(24 النور 2).
[3]:(2 البقرة 282).