محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ} (15)

[ 15 ] { لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون 15 } .

{ لقالوا إنما سكرت أبصارنا } أي حيرت أو حبست من الإبصار ، وما نراه شيء ، نتخايله لا حقيقة له { بل نحن قوم مسحورون } .

قال الناصر في ( الانتصاف ) : المراد ، والله أعلم ، يعني من الآيتين ، إقامة الحجة على المكذبين بأن الله تعالى سلك القرآن في قلوبهم وأدخله في سويدائها . كما سلك في قلوب المؤمنين المصدقين . فكذب به هؤلاء وصدق به هؤلاء . كل على علم وفهم{[5185]} { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة } ولئلا يكون للكفار على الله حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن . فأعلمهم الله تعالى من الآن ، وهم في مهلة وإمكان ، أنهم ما كفروا إلا على علم . معاندين باغين غير معذورين ، والله أعلم . ولذلك عقبه تعالى بقوله : { ولو فتحنا عليهم } الآية . أي هؤلاء فهموا القرآن وعلموا وجوه إعجازه وولج ذلك في قلوبهم ووقر ، ولكنهم قوم سجيتهم العناد وسيمتهم اللدد ، حتى لو سلك بهم / أوضح السبيل وأدعاها إلى الإيمان بضرورة المشاهدة ، وذلك بأن يفتح لهم باب في السماء ويعرج بهم إليه حتى يدخلوا منها نهارا .

وإلى ذلك الإشارة بقوله : { فظلوا } لأن الظلول إنما يكون نهارا . لقالوا بعد هذا الإيضاح العظيم المكشوف { إنما سكرت أبصارنا } وسحرنا محمد . وما هذه إلا خيالات لا حقائق تحتها . فأسجل عليهم بذلك أنهم لا عذر لهم في التكذيب ، من عدم سماع ووعي ووصول إلى القلوب وفهم ، كما فهم غيرهم من المصدقين . لأن ذلك كله حاصل لهم . وإنما بهم العناد واللدد والإصرار لا غير . والله أعلم .


[5185]:[8 / الأنفال / 42].