فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ} (15)

{ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ( 15 ) }

{ لَقَالُواْ } أي الكفار لفرط عنادهم وزيادة عتوهم { إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } قرئ مشددا ومخففا وهم سبعيتان وهو من سكر الشراب أو من السكر وهو سدها عن الإحساس ، قاله مجاهد ، يقال سكر النهر إذا سده وحبسه عن الجري . وعن قتادة نحوه . قال أبو عمرو بن العلاء : سكرت غشيت وعطت ، وبه قال أبو عبيد وأبو عبيدة .

وروي عنه أيضا أنه من سكر الشراب أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله ، وعلى التخفيف بمعنى سحرت ، وقيل أصله من السكور يقال سكرت عينه إذا تحيرت وسكنت عن النظر ، قال النحاس : وهذه الأقوال متقاربة والتشديد لأجل التكثير والمبالغة ، قال ابن عباس قريش تقوله .

{ بَلْ نَحْنُ } أضربوا عن قولهم سكرت أبصارنا ، ثم ادعوا أنهم { قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } أي سحرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي هذا بيان لعنادهم العظيم الذي لا يقلعهم عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان ، فإنهم إذا رأوا آية توجب عليهم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله نسبوا إلى أبصارهم أن إدراكها غير حقيقي لعارض السكر أو أن عقولهم قد سحرت فصار إدراكهم غير صحيح ، ومن بلغ في التعنت إلى هذا الحد فلا تنفع فيه موعظة ولا يهتدي بآية . وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالة على البت بأن ما يرونه لا حقيقة له ، بل هو باطل خيل إليهم بنوع من السحر .