تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ} (15)

المفردات :

سكرت : سدت ، ومنعت من الإبصار .

مسحورون : سحرنا محمد بظهور ما أبداه من الآيات .

التفسير :

-{ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون } . أي : قالوا : لفرط مكابرتهم وعنادهم ، إنما سدّت أبصارنا وخدعت بهذا الارتقاء والصعود .

{ بل نحن قوم مسحورون } ، أي : سحرنا محمد وخيّل إلينا ذلك ، وما هو إلا سحر مبين . وقد سبق أن اتهم قوم فرعون سيدنا موسى بالسحر ، { وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك . . } . ( الزخرف : 49 ) .

قال الفخر الرازي في تفسيره :

اعلم أن هذا الكلام هو المذكور في سورة الأنعام في قوله : { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين }( الأنعام : 7 ) .

ثم نقل الفخر الرازي عن ابن عباس أنه قال : " لو ظل المشركون يصعدون في تلك المعارج وينظرون إلى ملكوت الله تعالى ، وقدرته وسلطانه ، وإلى عبادة الملائكة ، الذين هم من خشيته مشفقون ؛ لشكّوا في تلك الرؤية ، وبقوا مصرين على كفرهم وجهلهم ، كما جحدوا سائر المعجزات ، من انشقاق القمر ، وما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن المعجز ، الذي لا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثلهix .

ملحق بالآية

( أ ){ فظلوا فيه يعرجون } .

يقال : ظل فلان نهاره يفعل كذا إذا فعله بالنهار ، ولا تقول العرب : ظل يظل إلا لكل عمل بالنهار ، كما لا يقولون بات ، يبيت إلا بالليل ، والمصدر : الظلولx .

أي : إن صعودهم لو كان في وضح النهار ، وشاهدوا ذلك عيانا مع وضوع- الرؤية ، لأنكروا وعاندوا .

{ يعرجون } . يقال : عرج ، يعرج ، عروجا ، ومنه المعارج وهي المصاعد التي يصعد فيها ، ومن إعجاز القرآن ، نجد أن السماء لا تعرف الخط المستقيم ، وإنما يذكر الصعود إلى السماء بالعروج ، قال تعالى : { من الله ذي المعارج* تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } . ( المعارج : 4 ، 3 ) .

وهنا قال : { فظلوا فيه يعرجون } .

وقد أيد ذلك العلم الحديث ، والقرآن غني عن هذا التأييد ، ولكنا نقول : أنّى لمحمد النبي الأمّي أن يعرف دقة هذا التعبير ، الذي يصدقه العلم بعد أكثر من ألف عام .

( ب ) معنى : { سكرت أبصارنا } .

أي : غيرت أبصارنا عما كانت عليه ، فهي لا تعطينا حقائق الأشياء كما كانت تفعل ، ومنه سكران أي : توقف عقله عن اتخاذ القرار ، سكرت الريح ، أي : توقفت عن الهبوب ، وسكّرت الباب : أغلقته .

وعبر بعض المفسرين عن هذه اللفظة بقوله : غشي على أبصارنا ، وقال بعضهم : عميت أبصارنا ، وهذا ونحوه تفسير بالمعنى لا يرتبط باللفظ ، ويقال أيضا : هؤلاء المبصرون عروج الملائكة ، أو عروج أنفسهم ، بعد قولهم : { سكرت أبصارنا } ، بل سحرنا حتى لا نعقل الأشياء كما يجب ، أي : صرف فينا السحرxi .