محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ أَمَرَ رَبِّي بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۚ كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ} (29)

ولما نفى تعالى ما تقوّلوه عليه ، وأخبر أنه لا يأمر بالفحشاء ، بين ما أمر به بقوله تعالى :

[ 29 ] { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ( 29 ) } .

{ قل أمر ربي بالقسط } أي : بالعدل . وللسلف فيه هنا وجوه : ما ظهر في العقول كونه حسنا ، أو التوحيد ، أو كلمة الإخلاص . وعن أبي مسلم : جميع الطاعات . قال الحاكم : وهو الوجه : ولا يخفى أن الجميع مما يشمله { القسط } فلا منافاة : { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } معطوف على الأمر الذي ينحل إليه المصدر مع ( أن ) . أي : بأن أقسطوا وأقيموا ، والمصدر ينحل إلى الماضي والمضارع والأمر ، كما نقله المعرب . أو معطوف على { أمر ربي } أي : قل أقيموا . قال الجرجاني : الأمر معطوف على الخبر ، لأن المقصود لفظه ، أو لأنه إنشاء معنى . انتهى- و ( الوجوه ) مجاز عن الذوات . ومسجد إما مصدر ، والوقت مقدر قبله ، و { عند } بمعنى ( في ) . أي : أقيموا ذواتكم في كل وقت سجود ، وذلك بمنعها عن الالتفات إلى الغير فيه ، وبمراعاة موافقة الأمر مع صدق النية ، أو باستقبال القبلة فيه . وإما اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي ، أي في كل وقت سجود أو مكانه . والسجود على هذه الأوجه مجاز عن الصلاة ، أو المسجد هو المصطلح عليه . والمعنى : في أي مسجد حضرتكم الصلاة لا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم . والأمر على هذا الوجه للندب . قيل : وهو لا يناسب المقام . وإما على ما قبله ، فهو للوجوب .

وهذه الوجوه مستفادة مما روي عن السلف . قال في ( اللباب ) : معنى الآية في قول جاهد والسدي : وجهوا وجوهكم حيثما كنتم في الصلاة إلى الكعبة . وقال الضحاك : المعنى إذا حضرت الصلاة وأنتم عند المسجد فصلوا فيه ، ولا يقولن أحدكم : أصلي في مسجدي ، أو مسجد قومي . وقيل : معناه اجعلوا سجودكم لله خالصا .

{ وادعوه } أي : اعبدوه { مخلصين له الدين } أي : الطاعة بتخصيصها له ، لأنه استحق عبادتكم بإبدائه إياكم ، ولا يسعكم تركها ، إذ إليه عودكم بالآخرة ؛ فإنه { كما بدأكم تعودون } أي : كما أنشأكم ابتداء ، يعيدكم إليه أحياء ، فيجازيكم على أعمالكم ، فأخلصوا له العبادة ، وإنما شبه الإعادة بالابتداء ، تقريرا لإمكانها والقدرة عليها .