البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ أَمَرَ رَبِّي بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۚ كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ} (29)

بدأ الشيء أنشأه واخترعه ، الجمل الحيوان المعروف وجمعه جمال وأجمل ولا يسمّى جملاً حتى يبلغ أربع سنين والجمل حبل السفينة ولغاته تأتي في المركبات .

سمّ الخياط ثقبه وتضم سين سم وتفتح وتكسر ، وكل ثقب في أنف أو أذن أو غير ذلك ، فالعرب تسميه سماً والخياط وهما آلتان كإزار ومئزر ولحاف وملحف وقناع ومقنع .

الغل الحقد والإحنة الخفية في النفس وجمعها غلال ومنه الغلول أخذ في خفاء .

نعم حرف يكون تصديقاً لإثبات محض أو لما تضمّنه استفهام وكسر عينها لغة لقريش وإبدال عينها بالحاء لغة ووقوعها جواباً بعد نفي يراد به التقرير نادر .

الأعراف جمع عرف وهو المرتفع من الأرض .

قال الشاعر :

كل كناز لحمه يناف *** كالجبل الموفى على الأعراف

وقال الشماخ :

فظلت بأعراف تعادي كأنها *** رماح نحاها وجهة الرمح راكز

ومنه عرف الفرس وعرف الديك لعلوهما .

الستة رتبة من العدد معروفة وأصلها سدسة فأبدلوا من السين تاء ولزم الإبدال ثم أدغموا الدّال في التاء بعد إبدال الدّال بالتاء ولزم الإدغام وتصغيره سديس وسديسة .

الحثّ الإعجال حثثت فلاناً فأحثثت قاله الليث وقال : فهو حثيث ومحثوث .

{ قل أمر ربي بِالقسط } .

قال ابن عباس القسط هنا لا إله إلا الله لأن أسباب الخير كلها تنشأ عنها ، وقال عطاء والسدّي : العدل وما يظهر في القول كونه حسناً صواباً ، وقيل الصدق والحق .

{ وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } .

وأقيموا معطوف على ما ينحل إليه المصدر الذي هو القسط أي بأن أقسطوا وأقيموا وكما ينحل المصدر لأن والفعل الماضي نحو عجبت من قيام زيد وخرج أي من أن قام وخرج وأن والمضارع نحو :

للبس عباءة وتقرّ عيني *** أي لأن ألبس عباءة وتقر عيني كذلك ينحل لأن وفعل الأمر ألا ترى أنّ أن توصل بفعل الأمر نحو كتبت إليه بأن قم كما توصل بالماضي والمضارع بخلاف ما المصدرية فإنها لا توصل بفعل الأمر وبخلاف كي إذا لم تكن حرفاً وكانت مصدرية فإنها توصل بالمضارع فقط ولما أشكل هذا التخريج جعل الزمخشري { وأقيموا } على تقدير وقل فقال : أقيموا فيحتمل قوله وقل أقيموا أن يكون { أقيموا } معمولاً لهذا الفعل الملفوظ به ، ويحتمل أن يكون قوله { وأقيموا } معطوفاً على { أمر ربي بالقسط } فيكون معمولاً لقل الملفوظ بها أولاً وقدّرها ليبيّن أنها معطوفة عليها وعلى ما خرّجناه نحن يكون في خبر معمول أمر ، وقيل : { وأقيموا } معطوف على أمر محذوف تقديره فأقبلوا وأقيموا ، وقال ابن عباس والضحّاك واختاره ابن قتيبة : المعنى إذا حضرت الصلاة فصلوا في كل مسجد ولا يقل أحدكم أصلي في مسجدي ، وقال مجاهد والسدّي وابن زيد : معناه توجّهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة ، وقال الرّبيع : اجعلوا سجودكم خالصاً لله دون غيره ، وقيل : معناه اقصدوا المسجد في وقت كلّ صلاة أمراً بالجماعة ذكره الماوردي ، وقيل : معناه إذا كان في جواركم مسجد فأقيموا الجماعة فيه ولا تتجاوزوا إلى غيره ذكره التبريزي ، وقيل هو أمر بإحضار النيّة لله في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول

{ وجّهت وجهي } الآية قاله الربيع أيضاً ، وقيل معناه إباحة الصّلاة في كل موضع من الأرض أي حيثما كنتم فهو مسجد لكم يلزمكم عنده الصّلاة وإقامة وجوهكم فيه لله وفي الحديث : « جعلت لي الأرض مسجداً فأيّما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث كان » وقال الزمخشري : أي اقصدوا عبادته مستقيمين إليه غير عادلين إلى غيرها عند كل مسجد في وقت كل سجود وفي كل مكان سجود وهو الصلاة وادعوه مخلصين له الدين .

قيل : الدعاء على بابه أمر به مقروناً بالإخلاص لأنّ دعاء من لا يخلص الدين لله لا يجاب ، وقيل : معناه اعبدوا ، وقيل : قولوا لا إله إلا الله .