الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قُلۡ أَمَرَ رَبِّي بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۚ كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ} (29)

{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } قال ابن عباس : بلا إله إلاّ الله ، وقال الضحاك : التوحيد ، وقال مجاهد والسدي : بالعدل { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } قال مجاهد والسدي وابن زيد : يعني وجهوا وجوهكم حيث ما كنتم في الصلاة إلى الكعبة .

وقال الضحاك : إذا حضرت الصلاة وأنتم عند المسجد فصلّوا فيه ولا تقولن : أحب أن أُصلي في مسجدي ، وإذا لم يكن عند مسجد [ فليأت ] أيّ مسجد فليصلِّ فيه .

وقال الربيع : معناه واجعلوا سجودكم لله سبحانه وتعالى خالصاً دون ما سواه من الآلهة والأنداد { وَادْعُوهُ } واعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } الطاعة والعبادة { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " تبعث كل نفس على ما كانت عليه " .

قال ابن عباس : إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً كما قال { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [ التغابن : 2 ] ثمّ يعيده يوم القيامة كما بدأ خلقهم كافراً ومؤمناً ، فيبعث المؤمن مؤمناً والكافر كافراً .

وقال جابر : يبعثون على ما ماتوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه . وقال أبو العالية : عادوا إلى علمه فيهم .

قال محمد بن كعب : من ابتدأ خلقه على الشقوة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه وإن عمل بإعمال أهل السعادة ، كما أنّ إبليس عمل أعمال أهل السعادة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه ، ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه وإن عمل أهل الشقاوة ، كما أنّ السحرة عملت أعمال أهل الشقاء ثم صاروا إلى ما ابتدأ عليه خلقهم .

وقال سعيد بن جبير : معناه كما كتب عليكم يكونون نضير قوله

{ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [ ألأنبياء : 104 ] .

قال قتادة : خلقكم من التراب وإلى التراب تعودون نضير قوله

{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ } [ طه : 55 ] .

وقال الربيع ابن أنس : كما بدأكم عرياناً تعودون لهم عرياناً . نضيره قوله :

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 94 ] .

وقال السدي : كما خلقكم فريق مهتدون وفريق ضلال ، كذلك تعودون تخرجون من بطون أُمهاتكم ، قال الحسن ومجاهد : كما بدأكم فخلقكم فريق مهتدون وفريق ضلال . كذلك تعودون يوم القيامة ، نضيره قوله

{ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [ ألأنبياء : 104 ] .

روي سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يُحشر الناس حُفاة عُراة وأوّل من يُكسى إبراهيم عليه السلام " ثمّ قرأ { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [ ألأنبياء : 104 ] .