بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قُلۡ أَمَرَ رَبِّي بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۚ كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ} (29)

ثم بيّن لهم ما أمرهم الله تعالى به . فقال عز وجل : { قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط } أي بالعدل والصواب . وكلمة التوحيد وهي شهادة ألاّ إله إلاّ الله { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ } أي : { قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط } وقل : أقيموا وجوهكم { عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } أي حوّلوا وجوهكم إلى الكعبة عند كل صلاة . وقال الكلبي : يعني إذا حضرت الصلاة وأنتم في مسجد فصلوا فيه ، فلا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي . وإذا لم يكن في مسجد فليأت أي مسجد شاء . قال مقاتل : يعني : حوّلوا وجوهكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم { وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } يقول : وحدوه واعبْدُوه بالإخلاص . ويقال : إنّ أهل الجاهلية كانوا يشركون في تلبيتهم ، ويقولون : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، فأمرهم الله أن يوحّدوه في التلبية مخلصين له الدين .

ثم قال : { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } أي ليس كما تشركون . فاحتج عليهم بالبعث متصلاً بقوله : { فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } أي ليس بعثكم بأشد من ابتدائكم . وقال الحسن : كما خلقكم ولم تكونوا شيئاً فأحياكم كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة . ويقال : { كَمَا بَدَأَكُمْ } يوم الميثاق من التصديق والتكذيب { تَعُودُونَ } إلى ذلك .

حيث قال : «هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي » . ويقال : { كَمَا بَدَأَكُمْ } فخلقكم من التراب { تَعُودُونَ } تراباً بعد الموت . وقال ابن عباس : { كَمَا بَدَأَكُمْ } مؤمناً وكافراً وشقياً وسعيداً كذلك تموتون عليه وتبعثون عليه .