محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

ثم بين تعالى سر كراهته لخروجهم بقوله :

47 { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين } .

{ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } أي فسادا وشرا { ولأوضعوا خلالكم } أي ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالفساد .

قال الشهاب : الإيضاع : إسراع سير الإبل . يقال : وضعت الناقة تضع إذا أسرعت وأوضعتها أنا . والمراد : الإسراع بالنمائم ، لأن الراكب أسرع من الماشي . فقيل : المفعول مقدر ، وهو النمائم . فتشبه النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها ، وأثبت لها الإيضاع ففيه تخييلية ومكنية . وقيل : إنه استعارة تبعية ، شبه سرعة إفسادهم لذات البين بالنميمة ، بسرعة سير الركائب ، ثم استعير لها الإيضاع ، وهو للإبل . و( خلال ) جمع خلل ، وهو الفرجة استعمل ظرفا بمعنى ( بين ) .

واعلم أن قوله : { ولأوضعوا } مرسوم في الإمام بألفين ، لأن الفتحة كانت تكتب ألفا قبل الخط العربي ، والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن ، وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع ، فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحها ألفا أخرى ونحوه{[4542]} { أو لأذبحنه } .

{ يبغونكم الفتنة } أي يطلبون لكم ما تفتنون بإيقاع الخلاف فيما بينكم ، وإلقاء الرعب في قلوبكم وإفساد نياتكم { وفيكم سماعون لهم } أي منقادون لقولهم مستحسنون لحديثهم ، وإن كانوا لا يعلمون حالهم ، لضعف عقولهم ، فيتوهمون منهم النصح والإعانة ، وهم يريدون التخذيل والفتنة ، فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير .

وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير : أي فيكم عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم .

قال ابن كثير : وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ، بل هذا عام في جميع الأحوال والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق ، وإليه ذهب قتادة وغيره من المسلمين .

قال محمد بن إسحاق{[4543]} كان استأذن فيما بلغني ، من ذوي الشرف منهم عبد الله بن أبي ابن سلول والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله ، لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده . وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيها يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم قال : { وفيكم سماعون لهم } انتهى . { والله عليم بالظالمين } ولا يخفى عليه شيء من أمرهم ، وفيه شمول للفريقين : القاعدين والسماعين .


[4542]:27 / النمل / 21.
[4543]:انظر سيرة ابن هشام الصفحة رقم 924 و 925 (طبعة جوتنجن) والصفحة رقم 194 من الجزء الرابع (طبعة الحلبي).