تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفلق مكية وآياتها خمس ، نزلت بعد سورة الفيل . هذا هو قول جمهور العلماء ، ويقول بعض المفسرين : إنهما مدنيتان .

في كل من هذه السورة الكريمة ، وسورة الناس بعدها . . . توجيه من رب العالمين لرسوله الكريم وللمؤمنين جميعا أن يلجأوا إليه ، ويلوذوا بحماه ، ويستعيذوا بجلاله وسلطانه من شر مخلوقاته ، ومن كل ما يضر وما يخيف في هذا الكون العجيب .

فإذا أخلصوا في دعائهم ، والتزموا بابه الكريم ، فإنه يستجيب لهم ، وينصرهم ، ويَقبلهم ، وينزّل السكينة في قلوبهم ، فتدخل الطمأنينة إلى نفوسهم ، ويغدون في سلام آمنين .

أعوذ : أَلجأ ، وأعتصم .

الفلَق : ضوء الصبح والخَلْق .

قل يا محمد : إني أَعتصِمُ بربّ الصُّبح الذي ينجَلي عنه الظلام .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفلق .

مكية ، وآياتها خمس .

{ قل أعوذ برب الفلق } قال ابن عباس ، وعائشة : كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود ، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعدة أسنان من مشطه ، فأعطاها اليهود فسحروه فيها ، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم ، رجل من يهود ، فنزلت السورتان فيه .

أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أنبأنا أنس بن عياض ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم : طب حتى إنه ليخيل إليه أنه قد صنع شيئاً وما صنعه ، وأنه دعا ربه ، ثم قال : أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ فقالت عائشة : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ قال الآخر : هو مطبوب . قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : فبماذا ؟ قال : في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر ، قال : فأين هو ؟ قال : في ذروان -وذروان بئر في بني زريق -قالت عائشة : فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى عائشة ، فقال : والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين ، قالت : فقلت له : يا رسول الله هلا أخرجته ؟ قال : أما أنا فقد شفاني الله ، فكرهت أن أثير على الناس به شراً " . وروي أنه كان تحت صخرة في البئر ، فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة ، فإذا فيه مشاطة رأسه ، وأسنان مشطه فيها .

أخبرنا المطهر بن علي الفاري ، أنبأنا محمد بن إبراهيم الصالحاني ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ ، أنبأنا ابن أبي عاصم ، حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن يزيد بن حبان بن أرقم قال : " سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ، قال : فاشتكى لذلك أياماً ، قال : فأتاه جبريل ، فقال : إن رجلاً من اليهود سحرك وعقد لك عقدا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاستخرجها فجاء بها ، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لليهود ولا رأوه في وجهه قط " .

قال مقاتل والكلبي : كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة . وقيل : كانت العقد مغروزة بالإبرة ، فأنزل الله هاتين السورتين ، وهما إحدى عشرة آية ، سورة الفلق خمس آيات ، وسورة الناس ست آيات ، كلما قرأ آية انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد كلها ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال . وروي : أنه لبث فيه ستة أشهر ، واشتد عليه ثلاث ليال ، فنزلت المعوذتان .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا بشر بن هلال الصواف ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : " أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، اشتكيت ؟ قال : نعم ، فقال : بسم الله أرقيك من كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك " . قوله عز وجل :{ قل أعوذ برب الفلق } ، أراد بالفلق : الصبح ، وهو قول جابر بن عبد الله ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، وأكثر المفسرين ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، بدليل قوله :{ فالق الإصباح } . وروي عن ابن عباس : أنه سجن في جهنم . وقال الكلبي : واد في جهنم . وقال الضحاك : يعني الخلق ، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس ، والأول هو المعروف .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

{ قل أعوذ برب الفلق } نزلت هذه السورة والتي بعدها لما سحر لبيد بن الأعصم اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتكى شكوى شديدة ، فأعلمه الله بما سحر به ، وأين هو ، فبعث من أتى به ، وكان وترا فيه إحدى عشرة عقدة ، فجعلوا كلما حلوا عقدة وجد راحة ، حتى حلوا العقد كلها ، وأمره الله تعالى أن يتعوذ بهاتين السورتين ، وهما إحدى عشرة آية على عدد العقد .

قوله { برب الفلق } يعني الصبح .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

أمر بالتعوذ برب هذا الدين ، موافقة ل{ إياك نعبد وإياك نستعين } ، من شر ما يقدح فيه بضرر في الظاهر أو في الباطن وهم الخلائق حتى على الفنا في الغنا ، وبدأ بما يعم شياطين الإنس والجن في الظاهر والباطن ، ثم اتبع بما يعم القبيلين ، ويخص الباطن الذي يستلزم صلاحه صلاح الظاهر ، إعلاماً بشرف الباطن على وجه لا يخل بالظاهر ، وفي ذلك إشارة إلى الحث على معاودة القراءة من أول القرآن كما يشير إليه قوله تعالى :{ فإذا قرأت القرآن }[ النحل :98 ] - أي أردت قراءته -

{ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }[ النحل : 98 ] ، فقال تعالى : { قل } أي لكل من يبلغه القول من جميع الخلائق تعليماً لهم وأمراً ، فإنهم كلهم مربوبون مقهورون ، لا نجاة لهم في شيء من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، فعلى كل منهم أن يفزع أول ما تصيبه المصيبة إلى مولاه القادر على كشفها تصحيحاً لتوكله ، فإنه يرتقي بذلك إلى حال الرضا بمر القضاء ، ولا يأخذ في الاعتماد على جلادته وتدبيره بحوله وقوته ، فإنه يشتد أسفه ، ولا يرد ذلك عنه شيئاً : { أعوذ } أي أستجير وألتجىء وأعتصم وأحترز .

ولما كان هذا المعنى أليق شيء بصفة الربوبية ؛ لأن الإعاذة من المضار أعظم تربية قال : { برب الفلق * } ، أي الذي يربيه وينشىء منه ما يريد ، وهو الشيء المفلوق بإيجاده ظلمة العدم كالعيون التي فلقت بها ظلمة الأرض والجبال ، وكالأمطار التي فلقت بها ظلمة الجو والسحاب ، وكالنبات الذي فلقت به ظلمة الصعيد ، وكالأولاد التي فلقت بها ظلمة الأحشاء ، وكالصبح الذي فلقت به ظلمة الليل ، وما كان من الوحشة إلى ما حصل من ذلك من الطمأنينة والسكون والأنس والسرور إلى غير ذلك من سائر المخلوقات ، قال الملوي : والفلق - بالسكون والحركة- كل شيء انشق عنه ظلمة العدم ، وأوجد من الكائنات جميعها ، انتهى . وخص في العرف بالصبح فقيل : فلق الصبح ، ومنه قوله تعالى :{ فالق الإصباح }[ الأنعام : 96 ] ؛ لأنه ظاهر في تغير الحال ، ومحاكاة يوم القيامة الذي هو أعظم فلق يشق ظلمة الفنا والهلاك بالبعث والإحياء ، فإن القادر على ما قبله بما نشاهده قادر عليه ؛ لأنه لا فرق ؛ بل البعث أهون في عوائد الناس ؛ لأنه إعادة ، كذا سائر الممكنات ، ومن قدر على ذلك قدر على إعاذة المستعيذ من كل ما يخافه ويخشاه .