لستنّ كأحد من النساء : لا يساويكن أحد من النساء في الفضل والمنزلة .
فلا تخضعن بالقول : فلا تِجبن أحدا بقول لين مريب .
في قلبه مرض : في قلبه ريبة وفجور .
وقلن قولا معروفا : قولا حسنا لطيفا بعيدا عن الريبة .
ثم بين لهنّ أنهن لسن كغيرِهن من النساء بقوله تعالى : { يانسآء النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء إِنِ اتقيتن فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } .
ليس هناك جماعة من النساء تساويكن في الفضل والكرامة ، لأنكن أَزواج خاتَم النبييّن ، وأمهات المؤمنين ، وهذه منزلةٌ عظيمة لم يتشرّف بها أحدٌ من النساء غيركن .
ولذلك نهاهنّ الله عن الهزل في الكلام إذا خاطبهنّ الناس ، حتى لا يطمع فيهنَّ منْ في قلبه نِفاق ، ثم أمَرَهنّ أن يقُلن قولاً معروفا بعيداً عن الريبة .
{ 32 - 34 } { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا }
يقول تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ } خطاب لهن كلهن { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } اللّه ، فإنكن بذلك ، تفقن النساء ، ولا يلحقكن أحد من النساء ، فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها .
فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم ، فقال : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } أي : في مخاطبة الرجال ، أو بحيث يسمعون فَتَلِنَّ في ذلك ، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع { الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي : مرض شهوة الزنا ، فإنه مستعد ، ينظر أدنى محرك يحركه ، لأن قلبه غير صحيح [ فإن القلب الصحيح ]{[1]} ليس فيه شهوة لما حرم اللّه ، فإن ذلك لا تكاد تُمِيلُه ولا تحركه الأسباب ، لصحة قلبه ، وسلامته من المرض .
بخلاف مريض القلب ، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح ، ولا يصبر على ما يصبر عليه ، فأدنى سبب يوجد ، يدعوه إلى الحرام ، يجيب دعوته ، ولا يتعاصى عليه ، فهذا دليل على أن الوسائل ، لها أحكام المقاصد . فإن الخضوع بالقول ، واللين فيه ، في الأصل مباح ، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم ، منع منه ، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال ، أن لا تلِينَ لهم القول .
ولما نهاهن عن الخضوع في القول ، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول ، دفع هذا بقوله : { وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا } أي : غير غليظ ، ولا جاف كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع .
وتأمل كيف قال : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } ولم يقل : { فلا تَلِنَّ بالقول } وذلك لأن المنهي عنه ، القول اللين ، الذي فيه خضوع المرأة للرجل ، وانكسارها عنده ، والخاضع ، هو الذي يطمع فيه ، بخلاف من تكلم كلامًا لينًا ، ليس فيه خضوع ، بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم ، فإن هذا ، لا يطمع فيه خصمه ، ولهذا مدح اللّه رسوله باللين ، فقال : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } وقال لموسى وهارون : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }
ودل قوله : { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } مع أمره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم ، والحافظات ، ونهيه عن قربان الزنا ، أنه ينبغي للعبد ، إذا رأى من نفسه هذه الحالة ، وأنه يهش{[2]} لفعل المحرم عندما يرى أو يسمع كلام من يهواه ، ويجد دواعي طمعه قد انصرفت إلى الحرام ، فَلْيَعْرِفْ أن ذلك مرض .
فَلْيَجْتَهِدْ في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية ، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر ، وسؤال اللّه العصمة والتوفيق ، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به .
قوله تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ( 32 ) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( 33 ) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } .
نساء النبي صلى الله عليه وسلم مكرمات لشرفهن ، وعلو منزلتهن ، فهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف . وذلك مشروط بالتقوى منهن ، وهو قوله : { إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } وذلك بخشية الله وطاعته والتزام أوامره ، فإنهن بذلك لا يشبههن أحد من النساء ، ولا يلحقهن في الفضيلة وعلو الدرجة . أي إن اتقين الله انفردتنّ بخصائص من جملة النساء{[3738]} ونساء النبي ، وإنْ كُن من الآدميات ، فهن لسن كإحداهن . وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه وإن كان من البشر من حيث الجبلَّة ، فهو ليس منهم من حيث الفضيلة وعلو المنزلة . فلئن كانت نَساء النبي بهذه المكانة من شرف المنزلة وهن ممن يُقتدى بهن ؛ فإنه جدير بهن أن تعلو أفعالهن فوق الأفعال ، وأن تربو صفاتهن على سائر الصفات .
أما قوله : { كأحد } وليس كواحدة فوجهه أن أحدا ينفي المذكر والمؤنث والواحد والجماعة .
قوله : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } الخضوع بالقول منهن يراد به لين الحديث ، وترقيق الكلام إذا خاطب الأجانب من الرجال . لا جرم أن ترخيم الخطاب من المرأة ؛ إذ تخاطب الأجانب يفضي إلى الفتنة التي تجنح بضعاف العزائم إلى الميل والاسترخاء والهوى . ولذلك قال : { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } المرض معناه هنا الدغل وهو الفساد{[3739]} ، وذلك يعم كل وجوه الفسق ، والتشوُّف للفجور . فما تترفق المرأة في حديثها الرخيم اللين أمام الرجال إلا كان ذلك مدعاة لانفتال القلوب الضعيفة ، فتميل في الغالب للفتنة والاحترار والانشغال . وجدير بالنساء المسلمات الفضليات اللواتي يتقين الله ، ويطعن أوامره أن يخاطبن الأجانب من الرجال في جِدٍّ وخشونة بعيدا عن الترخيم والترقيق والريبة .
قال ابن العربي في تأويل قوله تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } : أمرهن الله تعالى أن يكون قولُهن جزلا ، وكلامُهن فصلا ، ولا يكون على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المُطمع للسامع .
قوله : { وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا } أي قولا حسنا بعيدا من طمع المريب . وقيل : المراد بالمعروف الذي تدعو إليه الحاجة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.