تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

الفاسق : الخارج عن حدود الدين .

بنبأ : بخبر . قال الراغب في مفرداته : لا يقال للخبر نبأ إلا إذا كان ذا فائدة عظيمة .

فتبينوا : فتثبتوا ، وفي قراءة فتثبتوا .

بجهالة : بغير علم .

تقرر هذه الآية الكريمة مبدأً عظيماً للمؤمنين : كيف يتلقَّون الأنباء وكيف يتصرفون بها ، وأن عليهم أن يتثبَّتوا من مصدرها . وقد خُصَّ الفاسقُ لأنه مظنّةُ الكذب ، أما إذا كان مصدر الخبر من المأمون في دينه وخلقه فإنه يؤخذ بأخباره ، ولا يجوز أن يُشك فيه ، وإلا تعطّلت المصالح ، وتزعزعت الثقة بين المؤمنين ، وتعطل سير الحياة وتنظيمها في الجماعة . والإسلام يدعُ الحياة تسير في مجراها الطبيعي ، ويضع الضماناتِ والحواجز فقط لصيانتها لا لتعطيلها . وقد روي في سبب نزول هذه الآيات روايات قَبِلها كثير من المفسرين وضعّفها بعضهم ، ومنهم الرازي . والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي : فتثبتوا ، من التثبت والتريث في الأمور ، وقرأ الباقون : فتبينوا ، من التبين والتريث ، والفعلان قريبان من بعض .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

{ 6 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }

وهذا أيضًا ، من الآداب التي على أولي الألباب ، التأدب بها واستعمالها ، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره ، ولا يأخذوه مجردًا ، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا ، ووقوعًا في الإثم ، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل ، حكم بموجب ذلك ومقتضاه ، فحصل من تلف النفوس والأموال ، بغير حق ، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة ، بل الواجب عند خبر الفاسق ، التثبت والتبين ، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه ، عمل به وصدق ، وإن دلت على كذبه ، كذب ، ولم يعمل به ، ففيه دليل ، على أن خبر الصادق مقبول ، وخبر الكاذب ، مردود ، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا ، ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير [ من ] الخوارج ، المعروفين بالصدق ، ولو كانوا فساقًا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } الآية ، نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقاً ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق الله عز وجل ، فبدا له الرجوع ، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فاتهمهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدوم قومه ، وقال له : انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم ، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار ، ففعل ذلك خالد ، ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء ، فأخذ منهم صدقاتهم ، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير ، فانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق } يعني الوليد بن عقبة ، { بنبأ } بخبر ، { فتبينوا أن تصيبوا } أي لا تصيبوا بالقتل والقتال ، { قوماً } برآء ، { بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } من إصابتكم بالخطأ .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

ولما أنهى سبحانه ما أراد من النهي عن أذى الرسول صلى الله عليه وسلم في نفسه ، وكان من ذلك أذاه في{[60746]} أمته ، فإنه عزيز عليه ما عنتوا وكان من آذاه فيهم فاسقاً ، وكان{[60747]} أعظم الأذى فيهم ما أورث كرباً فأثار حرباً ، وكان ربما اتخذ أهل الأغراض هذه الآداب ذريعة إلى أذى-{[60748]} بعض المسلمين فقذفوهم بالإخلال بشيء منها فوقعوا هم فيها فيما قذفوا به غيرهم من الإخلال بحقه والتقيد بولائه ورقه ، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الطاهرة والمعالي الظاهرة ما يؤمن معه أن يوقع شيئاً في غير محله ، أن يأمر بأمر من غير حله{[60749]} - هذا مع ما له من العصمة ، قال منبهاً على ما في القسم الثالث من مكارم الأخلاق من ترك العجز بالاعتماد على أخبار الفسقة ، تخاطباً لكل من أقر بالإيمان على طريق الاستنتاج مما مضى ، نادباً إلى الاسترشاد بالعقل الذي نفاه عن أهل الآية السالفة ، والعفو عن المذنب والرحمة لعباد الله ، منادياً بأداة البعد إشارة إلى أن من احتاج إلى التصريح بمثل هذا التنبيه غير مكتف بما أفاده من قواعد الشرع وضع نفسه في محل بعيد ، وتنبيهاً على أن ما في حيزها{[60750]} كلام له خطر عظيم ووقع{[60751]} جسيم : { يا أيها الذين آمنوا } وعبر بالفعل الماضي الذي هو لأدنى أسنان القلوب ، وعبر بأداة الشك إيذاناً بقلة الفاسق فيهم وقلة مجيئه إليهم بخبر له وقع ، فقال : { إن جاءكم } أي في وقت من الأوقات { فاسق } أي خارج من ربقة الديانة{[60752]} أيّ فاسق كان { بنبأ }{[60753]} أي خبر يعظم خطبه فيؤثر شراً{[60754]} ، أيّ خير كان مما يكون كذلك ؟ { فتبينوا } أي عالجوا البيان وهو فصل الخطأ من الصواب ، استعمالاً لغريزة العقل المنفي عن المنادين{[60755]} واتصافاً بالغفران والرحمة ليرحمكم الله ويغفر لكم ، وهذه القراءة غاية لقراءة حمزة والكسائي{[60756]} بالمثلثة ثم المثناة الفوقية ، والسياق مرشد إلى أن خبر-{[60757]} الفاسق كالنمام والساعي بالفساد كما أنه لا يقبل فلذلك لا يرد حتى يمتحن ، وإلى أن خبر العدل لا وقفة فيه ، وإلا لاستوى مع الفاسق ، فالتثبت معلل بالفسق ، فإذا انتفى ولم توجد علة أخرى توجب التثبت وجب القبول ، والمعلق على شيء بكلمة " إن " عدم عند-{[60758]} عدمه ، والتبين بأحد شيئين : بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان حاضراً ، وبمراجعة آثاره من كتاب الله وسنته إلى أن تبين الأمر منهما إن كان غائباً ، فإنه لا تكون أبداً كائنة إلا وفي الكتاب والسنة المخرج منها-{[60759]} .

ولما أمر بالتبين ، ذكر علته فقال : { أن } أي-{[60760]} لأجل كراهة أن { تصيبوا } أي بأذى { قوماً } أي هم مع قوتهم النافعة لأهل الإسلام براء مما نسب إليهم { بجهالة } أي مع الجهل بحال استحاقهم ذلك .

ولما كان الإنسان إذا وضع شيئاً في غير موضعه جديراً{[60761]} بالندم ، سبب عن ذلك قوله : { فتصبحوا } أي فتصيروا ، ولكنه عبر بذلك لأن أشنع الندم ما استقبل الإنسان صباحاً وقت انتباهه وفراغه وإقباله على لذاته { على ما فعلتم } أي-{[60762]} من إصابتهم { نادمين * } أي عريقين في الأسف على ما فات مما{[60763]} يوقع الله في نفوسكم من أمور ترجف القلوب وتخور الطباع ، وتلك سنته في كل باطل ، فإنه لكونه مزلزلاً في نفسه لا ينشأ{[60764]} عنه إلا الزلزال والندم على ما وقع من تمني أنه لم يقع ، وهو غم يصحب الإنسان صحبة لها دوام{[60765]} بما تدور مادته عليه مما يرشد إليه-{[60766]} مدن ودمن ، وهو ينشأ من تضييع أثقال الأسباب التي أمر الإنسان بالسعي فيها كما أشار إليه حديث " احرص على ما ينفعك ولا تعجز فإن غلبك أمر فقل{[60767]} : قدر الله وما شاء فعل ، ولا تقل : لو أني-{[60768]} فعلت كذا ، فإن " لو " تفتح عمل الشيطان " والفاسق المذكور في الآية المراد به الجنس ، والذي نزل ذلك بسببه هو الوليد بن عقبة ، ولم يزل كذلك حتى أن عثمان رضي الله عنه ولاه الكوفة فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعاً ثم قال : هل أزيدكم فعزله عثمان رضي الله عنه .


[60746]:من مد، وفي الأصل: من.
[60747]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60748]:زيد من مد.
[60749]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في مد فحذفناها.
[60750]:من مد، وفي الأصل: خيرها.
[60751]:من مد، وفي الأصل: رفع.
[60752]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60753]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60754]:من مد، وفي الأصل: سره-كذا.
[60755]:من مد، وفي الأصل: المارين.
[60756]:راجع نثر المرجان6/662.
[60757]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[60758]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[60759]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[60760]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[60761]:من مد، وفي الأصل: جدير.
[60762]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[60763]:من مد، وفي الأصل: بما.
[60764]:من مد، وفي الأصل: لا يثبت.
[60765]:من مد، وفي الأصل: دواما.
[60766]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[60767]:من مد، وفي الأصل: ثقال-كذا.
[60768]:زيد ما بين الحاجزين من مد.