تحت الشجرة : وهي شجرة طلح كانت هناك ، وهى المعروفة بالسَمُرة ، بايع المؤمنون تحت ظلها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم .
السّكينة : الطمأنينة ، والأمن وسكون النفس .
فتحاً قريبا : فتح خيبر ، وقد حصل بعد انصرافهم من الحديبية .
بعد أن بين الله حال المتخلفين فيما تقدم ، عاد إلى بيان حال المبايعين الذي ذكرهم بقوله تعالى في أول السورة : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } [ الفتح : 10 ] فبيّن هنا رضاه عنهم من أجل تلك البيعة التي سميت « بيعة الرضوان » لما علم من صدق إيمانهم وإخلاصهم في بيعتهم ، وأنزل الله عليهم السَّكينة والأمن ورباطة الجأش .
{ 18-21 } { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا }
يخبر تعالى بفضله ورحمته ، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المبايعة التي بيضت وجوههم ، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة ، وكان سبب هذه البيعة -التي يقال لها " بيعة الرضوان " لرضا الله عن المؤمنين فيها ، ويقال لها " بيعة أهل الشجرة " - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه ، وأنه لم يجئ لقتال أحد ، وإنما جاء زائرا هذا البيت ، معظما له ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان لمكة في ذلك ، فجاء خبر غير صادق ، أن عثمان قتله المشركون ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من معه من المؤمنين ، وكانوا نحوا من ألف وخمسمائة ، فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين ، وأن لا يفروا حتى يموتوا ، فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال ، التي هي من أكبر الطاعات وأجل القربات ، { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الإيمان ، { فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } شكرا لهم على ما في قلوبهم ، زادهم هدى ، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله ، فأنزل عليهم السكينة تثبتهم ، وتطمئن بها قلوبهم ، { وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } وهو : فتح خيبر ، لم يحضره سوى أهل الحديبية ، فاختصوا بخيبر وغنائمها ، جزاءا لهم ، وشكرا على ما فعلوه من طاعة الله تعالى والقيام بمرضاته .
قوله تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك } بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يفروا ، { تحت الشجرة } وكانت سمرة ، قال سعيد بن المسيب : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، قال : فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها . وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة ، فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول : هنا وبعضهم يقول : ها هنا ، فلما كثر اختلافهم قال : سيروا ، قد ذهبت الشجرة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان قال عمرو : سمعت جابر بن عبد الله قال : " قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية : أنتم خير أهل الأرض ، وكنا ألفاً وأربع مائة ، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يسأل : كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال : كنا أربع عشرة مائة فبايعناه ، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة ، وهي سمرة ، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره .
وروى سالم عن جابر قال : كنا خمس عشرة مائة . وقال عبد الله بن أبي أوفى : كان أصحاب الشجرة ألفاً وثلاثمائة ، وكانت أسلم ثمن المهاجرين . وكان سبب هذه البيعة -على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أبي أمية الخزاعي حين نزل الحديبية ، فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش ، فخلوا سبيله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني : عثمان بن عفان ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت بحرب ، وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته ، فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فنزل عن دابته وحمله بين يديه ، ثم أردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو سفيان وعظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، قال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة . وكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت " ، قال بكير بن الأشج : بايعوه على الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل على ما استطعتم . وقال جابر بن عبد الله ومعقل بن يسار : لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر ، فكان أول من بايع بيعة الرضوان رجلا من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا جد ابن قيس أخو بني سلمة ، قال جابر : لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته مستتراً بها من الناس ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد ابن فنجويه ، حدثنا علي بن أحمد بن نضرويه ، حدثنا أبو عمران وموسى بن سهل بن عبد الحميد الجوفي ، حدثنا محمد بن رمح ، حدثنا الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة " . قوله عز وجل : { فعلم ما في قلوبهم } من الصدق والوفاء ، { فأنزل السكينة } الطمأنينة والرضا ، { عليهم وأثابهم فتحاً قريباً } يعني فتح خيبر .
ثم ذكر خبر من أخلص نيته فقال { لقد رضي الله عن المؤمنين } وكانوا ألفا وأربعمائة { إذ يبايعونك } بالحديبية على أن يناجزوا قريشا ولا يفروا { تحت الشجرة } هو يعني سمرة كانت هنالك وهذه البيعة تسمى بيعة الرضوان { فعلم ما في قلوبهم } من الإخلاص والوفاء { فأنزل } الله { السكينة عليهم } وهي الطمأنينة وثلج الصدر بالنصرة من الله تعالى لرسوله { وأثابهم فتحا قريبا } أي فتح خيبر
قوله تعالى : " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " هذه بيعة الرضوان ، وكانت بالحديبية ، وهذا خبر الحديبية على اختصار : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام منصرفه من غزوة بني المصطلق في شوال ، وخرج في ذي القعدة معتمرا ، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب ، وجميعهم نحو ألف وأربعمائة . وقيل : ألف وخمسمائة . وقيل غير هذا ، على ما يأتي . وساق معه الهدي ، فأحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب ، فلما بلغ خروجه قريشا خرج جمعهم صادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ودخول مكة ، وإنه إن قاتلهم قاتلوه دون ذلك ، وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى ( كراع الغميم ) فورد الخبر بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ( بعسفان ){[14006]} وكان المخبر له بشر بن سفيان الكعبي ، فسلك طريقا يخرج به في ظهورهم ، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة ، وكان دليله فيهم رجل من أسلم ، فلما بلغ ذلك خيل قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تعلمهم بذلك ، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية بركت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال الناس : خلأت خلأت{[14007]} فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها ) . ثم نزل صلى الله عليه وسلم هناك ، فقيل : يا رسول الله ، ليس بهذا الوادي ماء فأخرج عليه الصلاة والسلام سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه ، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالماء الرواء{[14008]} حتى كفى جميع الجيش . وقيل : إن الذي نزل بالسهم في القليب ناجية بن جندب بن عمير الأسلمي وهو سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ . وقيل : نزل بالسهم في القليب البراء بن عازب ، ثم جرت السفراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش ، وطال التراجع والتنازع إلى أن جاء سهيل بن عمرو العامري ، فقاضاه عل أن ينصرف عليه الصلاة والسلام عامه ذلك ، فإذا كان من قابِلٍ أتى معتمِرا ودخل هو وأصحابه مكة بغير سلاح ، حاشا السيوف في قِربها فيقيم بها ثلاثا ويخرج ، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام ، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا ، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار ، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يردوه إلى المسلمين ، فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما علمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجا ، فقال لأصحابه ( اصبروا فإن الله يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه ) فأنس الناس إلى قوله هذا بعد نفار منهم ، وأبى سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح : من محمد رسول الله ، وقالوا له : لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريد فلا بد أن تكتب : باسمك اللهم . فقال لعلي وكان يكتب صحيفة الصلح : ( امح يا علي ، واكتب باسمك اللهم ) فأبى علي أن يمحو بيده " محمد رسول الله " . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اعرضه علي ) فأشار إليه فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وأمره أن يكتب ( من محمد بن عبد الله ) . وأتى أبو جندل بن سهيل يومئذ بأكثر كتاب الصلح وهو يرسف في قيوده ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه ، فعظم ذلك على المسلمين ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أبا جندل ( أن الله سيجعل له فرجا ومخرجا ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الصلح قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسولا ، فجاء خبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ إلى المبايعة له على الحرب والقتال لأهل مكة ، فروي أنه بايعهم على الموت . وروي أنه بايعهم على ألا يفروا . وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة ، التي أخبر الله تعالى أنه رضي عن المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها . وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يدخلون النار . وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمينه على شماله لعثمان ، فهو كمن شهدها . وذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أبو سفيان الأسدي . وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة{[14009]} ، وقال : بايعناه على ألا نفر ولم نبايعه على الموت وعنه أنه سمع جابرا يسأل : كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال : كنا أربع عشرة مائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، فبايعناه ، غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره . وعن سالم بن أبي الجعد قال : سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة . فقال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا ألفا وخمسمائة . وفي رواية : كنا خمس عشرة مائة . وعن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة ، وكانت أسلم ثمن المهاجرين . وعن يزيد بن أبي عبيد قال : قلت لسلمة : على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ؟ قال : على الموت . وعن البراء بن عازب قال : كتب علي رضي الله عنه الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم الحديبية ، فكتب : هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا تكتب رسول الله ، فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : ( امحه ) . فقال : ما أنا بالذي أمحاه{[14010]} ، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده . وكان فيما اشترطوا : أن يدخلوا مكة فيقيموا فيها ثلاثا ، ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح . قلت لأبي إسحاق وما جلبان السلاح ؟ قال{[14011]} : القراب وما فيه . وعن أنس : أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : ( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل بن عمرو : أما باسم الله{[14012]} ، فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف : باسمك اللهم . فقال : ( اكتب من محمد رسول الله ) قالوا : لو علمنا أنك رسوله لاتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اكتب من محمد بن عبد الله ) فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم : أن من جاء منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا . فقالوا : يا رسول الله ، أنكتب هذا قال : ( نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا ) . وعن أبي وائل قال : قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال يا أيها الناس ، اتهموا أنفسكم ، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين . فجاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال ( بلى ) قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال ( بلى ) قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال ( يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا ) قال : فانطلق عمر ، فلم يصبر متغيظا فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال بلى . قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا ابن الخطاب ، إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا . قال : فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ، فقال : يا رسول الله ، أو فتح هو ؟ قال ( نعم ) . فطابت نفسه ورجع .
قوله تعالى : " فعلم ما في قلوبهم " من الصدق والوفاء ، قاله الفراء . وقال ابن جريج وقتادة : من الرضا بأمر البيعة على ألا يفروا . وقال مقاتل : من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت " فأنزل السكينة عليهم " حتى بايعوا . وقيل : " فعلم ما في قلوبهم " من الكآبة بصد المشركين إياهم وتخلف رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم ، إذا رأى أنه يدخل الكعبة ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما ذلك رؤيا منام ) . وقال الصديق : لم يكن فيها الدخول في هذا العام . والسكينة : الطمأنينة وسكون النفس إلى صدق الوعد . وقيل الصبر . " وأثابهم فتحا قريبا " قال قتادة وابن أبي ليلى : فتح خيبر . وقيل فتح مكة . وقرئ " وآتاهم "