الفاسق : الخارج عن حدود الدين .
بنبأ : بخبر . قال الراغب في مفرداته : لا يقال للخبر نبأ إلا إذا كان ذا فائدة عظيمة .
فتبينوا : فتثبتوا ، وفي قراءة فتثبتوا .
تقرر هذه الآية الكريمة مبدأً عظيماً للمؤمنين : كيف يتلقَّون الأنباء وكيف يتصرفون بها ، وأن عليهم أن يتثبَّتوا من مصدرها . وقد خُصَّ الفاسقُ لأنه مظنّةُ الكذب ، أما إذا كان مصدر الخبر من المأمون في دينه وخلقه فإنه يؤخذ بأخباره ، ولا يجوز أن يُشك فيه ، وإلا تعطّلت المصالح ، وتزعزعت الثقة بين المؤمنين ، وتعطل سير الحياة وتنظيمها في الجماعة . والإسلام يدعُ الحياة تسير في مجراها الطبيعي ، ويضع الضماناتِ والحواجز فقط لصيانتها لا لتعطيلها . وقد روي في سبب نزول هذه الآيات روايات قَبِلها كثير من المفسرين وضعّفها بعضهم ، ومنهم الرازي . والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قرأ حمزة والكسائي : فتثبتوا ، من التثبت والتريث في الأمور ، وقرأ الباقون : فتبينوا ، من التبين والتريث ، والفعلان قريبان من بعض .
{ 6 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }
وهذا أيضًا ، من الآداب التي على أولي الألباب ، التأدب بها واستعمالها ، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره ، ولا يأخذوه مجردًا ، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا ، ووقوعًا في الإثم ، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل ، حكم بموجب ذلك ومقتضاه ، فحصل من تلف النفوس والأموال ، بغير حق ، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة ، بل الواجب عند خبر الفاسق ، التثبت والتبين ، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه ، عمل به وصدق ، وإن دلت على كذبه ، كذب ، ولم يعمل به ، ففيه دليل ، على أن خبر الصادق مقبول ، وخبر الكاذب ، مردود ، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا ، ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير [ من ] الخوارج ، المعروفين بالصدق ، ولو كانوا فساقًا .
{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ } نزلت في الوليد بن عقبة بعثه
7 9 رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا إلى قوم كانت بينه وبينهم ترة في الجاهلية فخاف أن يأتيهم وانصرف من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنهم منعوا الصدقة وقصدوا قتلي فذلك قوله { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } أي فاعلموا صدقه من كذبه { أن تصيبوا } لئلا تصيبوا { قوما بجهالة } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن يغزوهم حتى يتبين له طاعتهم
قوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 واعلموا أن فيكم رسول الله ولو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم } .
يأمر الله عباده المؤمنين أن يتثبتوا فيما يردهم من أخبار يقولها فاسقون أو مريبون أولو ثرثرة ولغط وتهويش فما ينبغي للمؤمنين في كل زمان أن يصدقوا أمثال هؤلاء فيبنوا أحكامهم على ما يسمعونه منهم فيضلّوا ويزلّوا ويصبحوا من النادمين . والفاسق هو الكاذب ، أو الذي لا يستحيي من الله .
وقد نزلت الآية في الوليد بن أبي معيط إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليجمع منهم الزكاة ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية . فلما سمع القوم تلقّوه تعظيما لله تعالى ولرسوله ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم ، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ، سمعنا برسوله فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى . فبدا له في الرجوع فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } وقيل : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق يتصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك ، وأنهم قد ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) إليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا ( رضي الله عنه ) أنهم مستمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم . فلما أصبحوا أتاهم خالد ( رضي الله عنه ) فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله الآية . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يقول : " التثبت من الله والعجلة من الشيطان " {[4286]} .
قوله : { فتبيوا أن تصيبوا قوما بجاهلة } أي تثبتوا واحتاطوا ، أو أمهلوا حتى تعرفوا صحة النبأ ولا تعجلوا { أن تصيبوا قوما بجهالة } أي كراهية ، أو لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بخطأ منكم { فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } أي فتندموا على ما أصبتم به غيركم من الجناية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.