تعجبك أجسامهم : لصباحتها وتناسُب أعضائها .
تسمع لقولهم : لفصاحتهم وحسن حديثهم .
خشُب مسندة : جمع خشبة ، يعني أنهم أجسام فارغة لا حياة فيها .
يحسبون كل صيحة عليهم : فهم لشعورهم بالذنب وبحقيقة حالهم ، يظنون أن كل صوت أو حركة عليهم .
قاتلَهم الله : لعنهم الله وطردهم من رحمته .
ثم وصف هيئاتهم الظاهرة والباطنة ، فأجسامُهم في الظاهر حسنة تُعجِب الناس ، ومنطقهم حسن ، ولكلامهم حلاوة ، أما في الباطن فهم خُشُبٌ لا فائدة فيها ، أشباح بلا أرواح ، فسدت بواطنهم ، وحسنت ظواهرهم .
ثم وصفهم بالجبن والذلة إذا سمعوا أي صوت أو حركة ظنّوا أنهم المقصودون ، وأن أمرهم قد افتُضِح : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وأنهم هالكون لا محالة . { هُمُ العدو فاحذرهم } أيها الرسول ، ولا تأمنهم أبدا .
ثم زاد في ذمهم وتوبيخهم فقال :
{ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ } لعنهم الله وطردَهم من رحمته كيف يُصرَفون عن الحق إلى ما هم عليه من النفاق .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي : خشب بإسكان الشين . والباقون : خشب بضم الخاء والشين .
{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } من روائها ونضارتها ، { وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي : من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه ، فأجسامهم وأقوالهم معجبة ، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء ، ولهذا قال : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } لا منفعة فيها ، ولا ينال منها إلا الضرر المحض ، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم ، والريب الذي في قلوبهم يخافون{[1104]} أن يطلع عليهم .
فهؤلاء { هُمُ الْعَدُوُّ } على الحقيقة ، لأن العدو البارز المتميز ، أهون من العدو الذي لا يشعر به ، وهو مخادع ماكر ، يزعم أنه ولي ، وهو العدو المبين ، { فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي : كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته ، واتضحت معالمه ، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء .
{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } في طولها واستواء خلقها وكا ن عبد الله ابن أبي
5 7 جسيما صبيحا فصيحا اذا تكلم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله وهو قوله { وإن يقولوا تسمع لقولهم } ثم أعلم أنهم في ترك التفهم بمنزلة الخشب فقال { كأنهم خشب مسندة } أي ممالة الى الجدار { يحسبون } من جبنهم وسوء ظنهم { كل صيحة عليهم } أي ان نادى مناد في العسكر أو ارتفع صوت ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب { هم العدو } وان كانوا معك { فاحذرهم } ولا تأمنهم { قاتلهم الله } لعنهم الله { أنى يؤفكون } من أين يصرفون عن الحق بالباطل
قوله : { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } كان المنافقون أولي هيئات حسنة ومناظر بهية وكانوا أولي فصاحة وبيان فإذا تكلموا أجادوا في الكلام فأصغى إليهم سامعوهم لحسن قولهم وبلاغة حديثهم . وقيل : المراد بذلك عبد الله بن أبي ابن سلول . وقد قال عنه ابن عباس : كان عبد الله من أبيّ وسيما جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان . فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته . وقيل الخطاب لكل من يصلح له من المنافقين . وهو الأظهر .
قوله : { كأنهم خشب مسنّدة } يعني كأن هؤلاء المنافقين خشب مسندة إلى الحائط ، لأنها لا قلوب فيها ولا عقول . فهي جوفاء ، فارغة من كل وعي أو خير أو وازع . فهم أشبه بصور عمياء ، وأشباح خرساء ليس فيها أرواح { يحسبون كل صيحة عليهم } هؤلاء المنافقون جبناء خائرون مهزومون . وهم موغلون في الاضطراب والهلع والجزع والخور . فهم بذلك كلما حصل أمر أو نزلت حادثة أو غشي الناس خبر ، ظنوا - واهمين مذعورين - أن ذلك نازل بهم أو من أجلهم لفضحهم وكشف أستارهم .
قوله : { هم العدو فاحذرهم } يبين الله في ذلك أن هؤلاء المنافقين أولو عداوة كاملة ، لأنهم يخفون في قلوبهم الكفر فهم خبيثون ، ماكرون مخادعون . فخذ حذرك منهم يا محمد أن يثبّطوا أصحابك ويشيعوا فيهم الشكوك والأراجيف ويمالئوا عليك الأعداء من الكافرين .
قوله : { قاتلهم الله } يعني أخزاهم الله ، كيف يصرفون عن الحق ، وتميل قلوبهم عن الإيمان الصحيح مع وضوح دلائله وبيناته{[4545]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.