تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة العلق مكية وآياتها تسع عشرة ، وتسمى ( اقرأ ) ، آياتها تسع عشرة آية ، وهي أول ما نزل من القرآن . ففي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : أول ما بُدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حُبّب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء فيتحنّث الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك . ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها فيتزود لمثلها . حتى جاء الحق وهو في غار حراء . فجاءه الملك فقال : اقرأ ، قال : ما أنا بقارئ . قال : فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فعل ذلك ثلاث مرات . فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم } . فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده . رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

فكانت هذه الآيات الخمس أول ما نزل من القرآن . أما بقية السورة فقد تأخر نزولها ، يدل على ذلك ما فيها من ذكر أحوال المكذبين والذين يصدّون الناس عن الصلاة . وذلك بعد شيوع خبر البعثة ، وظهور أمر النبوة ، وتحرّش قريش بالنبي لإيذائه عليه الصلاة والسلام .

في هذه السورة الكريمة دعوة إلى العلم والتعلم . وقد ظلت هذه الدعوة أساسا قويما بُني عليه الإسلام ، فأعطت ثمارها في مدة وجيزة حيّرت الباحثين والمؤرخين . إذ قام العرب والمسلمون بنشر هذا الدين متسلّحين بالعلم فقضوا على الجهل والظلم والشرك ، وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور .

وفي السورة الكريمة تنبيه إلى أن الثراء والقوة قد يدفعان النفوس إلى الطغيان ومجاوزة حدود الله ، وأن المصير إلى الله ، حيث توجِّه الخطاب لكل من يصلح للخطاب ، منذرة الصّادين عن الخير ، مهددة إياهم بأخذهم بالنواصي والأقدام إلى النار .

الخطابُ موجَّه إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيه دعوة إلى القراءة والكتابة والعلم . . وهذا هو شِعارُ الإسلام . اقرأ يا محمد ما يوحَى إليك مستعيناً باسمِ ربك الذي خلَق هذا الكونَ العجيب وما فيه .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي تسع عشرة آية .

{ اقرأ باسم ربك } يعني اقرأ القرآن باسم ربك ، وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كل سورة { الذي خلق } الأشياء والمخلوقات .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية بإجماع ، وهي أول ما نزل من القرآن ، وفي قول أبي موسى وعائشة رضي الله عنهما . وهي تسع عشرة آية .

قوله تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق }

هذه السورة أول ما نزل من القرآن في قول معظم المفسرين . نزل بها جبريل على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو قائم على حراء ، فعلمه خمس آيات من هذه السورة . وقيل : إن أول ما نزل " يا أيها المدثر " [ المدثر : 1 ] ، قاله جابر بن عبد الله ، وقد تقدم{[16197]} . وقيل : فاتحة الكتاب أول ما نزل . قاله أبو ميسرة الهمداني . وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : أول ما نزل من القرآن " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم{[16198]} " [ الأنعام : 151 ] والصحيح الأول . قالت عائشة : أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الرؤيا الصادقة{[16199]} ، فجاءه الملك فقال : " اقرأ باسم ربك الذي خلف خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم " . خرجه البخاري .

وفي الصحيحين عنها قالت : أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، يتحنث{[16200]} فيه الليالي ذوات العدد ، قبل أن يرجع إلى أهله{[16201]} ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : [ اقرأ ] : فقال : ( ما أنا بقارئ - قال - فأخذني فغطني{[16202]} ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ) فقال : [ أقرأ ] فقلت : [ ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : " اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم ] الحديث بكامله . وقال أبو رجاء العطاردي : وكان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد : مسجد البصرة ، فيقعدنا حلقا ، فيقرئنا القرآن ، فكأني أنظر إليه بين ثوبين له أبيضين ، وعنه أخذت هذه السورة : " اقرأ باسم ربك الذي خلق " . وكانت أول سورة أنزلها اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم . وروت عائشة رضي اللّه عنها أنها أول سورة أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم بعدها " ن والقلم " ، ثم بعدها " يا أيها المدثر " ثم بعدها " والضحى " ذكره الماوردي . وعن الزهري : أول ما نزل سورة : " اقرأ باسم ربك - إلى قوله - ما لم يعلم " ، فحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وجعل يعلو شواهق الجبال ، فأتاه جبريل فقال له : [ إنك نبي اللّه ] فرجع إلى خديجة وقال : [ دثروني ، وصبوا عليّ ماء باردا ] فنزل " يا أيها المدثر " [ المدثر : 1 ] . ومعنى " اقرأ باسم ربك " أي اقرأ ما أنزل إليك من القرآن مفتتحا باسم ربك ، وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كل سورة . فمحل الباء من " باسم ربك " النصب على الحال . وقيل : الباء بمعنى على ، أي اقرأ على اسم ربك . يقال : فعل كذا باسم اللّه ، وعلى اسم اللّه . وعلى هذا فالمقروء محذوف ، أي اقرأ القرآن ، وافتتحه باسم اللّه . وقال قوم : اسم ربك هو القرآن ، فهو يقول : " اقرأ باسم ربك " أي اسم ربك ، والباء زائدة ، كقوله تعالى " تنبت بالدهن " [ المؤمنون : 20 ] ، وكما قال :

سُود المحاجر لا يقرأْنَ بالسُّوَرِ{[16203]}

أراد : لا يقرأن السور . وقيل : معنى " اقرأ باسم ربك " أي اذكر اسمه . أمره أن يبتدئ القراءة باسم اللّه .


[16197]:راجع جـ 19 ص 58 من الطبعة الأولي وجـ 19 ص 59 من الطبعة الثانية.
[16198]:آية 151 سورة الأنعام.
[16199]:كذا في الأصول ومسلم. وفي البخاري: "الصالحة".
[16200]:يتحنث: أي يتبعد. يقال: فلان يتحنث، أي يفعل فعلا يخرج به من الإثم والحرج.
[16201]:زيادة عن الصحيحين.
[16202]:الغط: العصر الشديد والكبس.
[16203]:هذا عجز بيت للراعي، وصدره: * هن الحرائر لا ربات أخمرة *
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة العلق

مكية وآياتها 19 ، وهي أول ما نزل من القرآن .

نزل صدرها بغار حراء ، وهو أول ما نزل من القرآن حسبما ورد عن عائشة في الحديث الذي ذكرناه في أول الكتاب .

{ اقرأ باسم ربك } فيه وجهان :

أحدهما : أن معناه : اقرأ القرآن مفتتحا باسم ربك أو متبركا باسم ربك ، وموضع { باسم ربك } نصب على الحال ، ولذا كان تقديره مفتتحا ، فيحتمل أن يريد ابتدأ القراءة بقول بسم الله الرحمن الرحيم ، أو يريد الابتداء باسم الله مطلقا .

والوجه الثاني : أن معناه : اقرأ هذا اللفظ وهو باسم ربك الذي خلق ، فيكون باسم ربك مفعولا وهو المقروء .

{ الذي خلق } حذف المفعول لقصد العموم ، كأنه قال : الذي خلق كل شيء ، ثم خصص خلقة الإنسان لما فيه من العجائب والعبر : ويحتمل أنه أراد الذي خلق الإنسان ، كما قال : { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان } [ الرحمن : 1- 3 ] ثم فسره بقوله : { خلق الإنسان من علق } .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

لما أمره سبحانه وتعالى في الضحى بالتحديث بنعمته ، وذكره بمجامعها في { ألم نشرح } فأنتج ذلك إفراده بما أمره به في ختمها من تخصيصه بالرغبة إليه ، فدل في الزيتون على أنه أهل لذلك لتمام قدرته الذي يلزم منه أنه لا قدرة لغيره إلا به ، فأنتج ذلك تمام الحكمة فأثمر قطعاً البعث للجزاء ، فتشوف السامع إلى ما يوجب حسن الجزاء في ذلك اليوم ، وبأيّ وسيلة يقف بين يدي الملك الأعلى في يوم الجمع الأكبر من خصال الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فأرشد إلى ذلك في هذه السورة ، فقال بادئاً بالتعريف بالعلم الأصلي ، ذاكراً أصل من خلقه سبحانه وتعالى في أحسن تقويم وبعض أطواره الحسنة والقبيحة تعجيباً من تمام قدرته سبحانه وتعالى وتنبيهاً على تعرفها وإنعام النظر فيها ، وقدم الفعل العامل في الجار والمجرور هنا لأنه أوقع في النفس لكونها أول ما نزل فكان الأمر بالقراءة أهم : { اقرأ } وحذف مفعوله إشارة إلى أنه لا قراءة إلا بما أمره به ، وهي الجمع الأعظم ، فالمعنى : أوجد القراءة لما لا مقروء غيره ، وهو القرآن الجامع لكل خير ، وأفصح له بأنه لا يقدر على ذلك إلا بمعونة الله الذي أدبه فأحسن تأديبه ، ورباه فأحسن تربيته ، فقال ما أرشد المعنى إلى أن تقديره : حال كونك مفتتحاً القراءة { باسم ربك } أي بأن تبسمل ، أو مستعيناً بالمحسن إليك لما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى بما خصك به في { ألم نشرح } أو بذكر اسمه ، والمراد على هذا بالاسم الصفات العلى ، وعبر به لأنه يلزم من حسن الاسم حسن مدلوله ، ومن تعظيم الاسم تعظيم المسمى وجميع ما يتصف به وينسب إليه ، قالوا : وهذا يدل على أن القراءة لا تكون تامة إلا بالتسمية ، ولكونه في سياق الأمر بالطاعة الداعي إليها تذكر النعم لم يذكر الاسم الأعظم الجامع ، وذكر صفة الإحسان بالتربية الجامع لما عداه وتأنيساً له صلى الله عليه وسلم لكونه أول ما نزل حين حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بنفسه يتعبد بربه في غار حراء ، فجاءه جبرائيل عليه الصلاة والسلام بخمس آيات من أول هذه السورة إلى قوله " ما لم يعلم " ولهذا السر ساقه مساق البسملة بعبارة هي أكثر تأنيساً في أول الأمر وأبسط منها ، فأشار إلى الاسم الأعظم بما في مجموع الكلام من صفات الكمال ، وأشار إلى عموم منة الرحمن بصفة الخلق المشار إلى تعميمها بحذف المفعول ، وإلى خصوص صفة الرحيم بالأكرمية التي من شأنها بلوغ النهاية ، وذلك لا يكون بدون إفاضة العمل بما يرضي ، فيكون سبباً للكرامة الدائمة ، وبالتعليم الذي من شأنه أن يهدي إلى الرضوان ، وأشار إلى الاستعاذة بالأمر بالقرآن لما أفهمه قوله سبحانه وتعالى :

وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة }[ الإسراء :45 ] - أي من شياطين الإنس والجن-

{ حجاباً مستوراً }[ الإسراء : 45 ] وقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }[ النحل : 98 ] .

ولما خصه تشريفاً بإضافة هذا الوصف الشريف إليه ، وصفه على جهة العموم بالخلق والأمر إعلاماً بأن له التدبير والتأثير ، وبدأ بالخلق لأنه محسوس بالعين ، فهو أعلق بالفهم ، وأقرب إلى التصور ، وأدل على الوجود وعظيم القدرة وكمال الحكمة ، فكانت البداءة به في هذه السورة التي هي أول ما نزل أنسب الأمور ؛ لأن أول الواجبات معرفة الله ، وهي بالنظر إلى أفعاله في غاية الوضوح فقال : { الذي خلق * } وحذف مفعوله إشارة إلى أنه له هذا الوصف وهو التقدير والإيجاد على وفق التقدير الآن وفيما كان وفيما يكون ، فكل شيء يدخل في الوجود فهو من صنعه ومتردد بين إذنه ومنعه وضره ونفعه .