تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَيَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (212)

بعد التحذير من التلكؤ في الاستجابة للدعوة ، والتبديل بعد النعمة يذكُر لنا الله تعالى حال الذين كفروا وحال الذين آمنوا ، فيقول : أن السبب في الانحراف والكفر هو حب الدنيا ، فقد زُين للذين كفروا هذه الدنيا فتهالكوا عليها ، وتهافتوا عليها ، فمضوا يسخرون من المؤمنين ، مثل عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيب ، كما يسخرون من أغنياء المؤمنين بأنهم لا يتلذذون في الحياة . وقد رد تعالى على أولئك الساخرين بتفضيل أهل اليقين فقال { والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة } أي : أن المتقين المؤمنين سيكونون أعلى منهم في تلك الحياة الأبدية مقاما ، وأرفع منزلة ، فليمضوا في طريقهم لا يحفلون بشيء .

وستظل الحياة تعرف هذين الصنفين من الناس : المؤمنين الذي يتلقَّون قيمهم ومفاهيمهم من الله ، فيرفعهم ذلك عن سفساف الحياة وأعراض الأرض . والكافرين الذين زُينت لهم الحياة الدنيا واستعبدتهم أعراضُها ، فتبعوا مطامعهم وهبطوا إلى الحضيض .

{ والله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ . . . } ، يعطي كثيرا بلا تضييق ولا تقتير لمن يشاء ، فهو قد يعطي الكافرين زينة الحياة الدنيا لحكمة منه ، ويعطي المختارين من عباده ما يشاء في الدنيا والآخرة . فالعطاء كله من عنده . لذلك ترك كثيرا من الأبرار ومن الفجار متمتعين بسعة الرزق ، وكثيرا من الفريقين فقراء معسرين . ولكن المتقي يكون أكثر احتمالا ، فلا يؤلمه الفقر كما يؤلم الفاجر ، إذ هو بالتقوى يجد المخلّص من كل ضيق .