فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَيَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (212)

{ يسخرون } يضحكون مستهزئين .

{ زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة } خلق الله تعالى الكون وأودعه زينة وجمالا وبهجة وزخرفا فأما البررة العقلاء السعداء فإنهم يستمتعون بالزينة الطيبة الحلال ويترقبون أبرك وأدوم منها حيث يردون على مولانا ذي الإكرام الجلال لكن الكفرة والفجرة الأشقياء تستعبدهم الشهوات والزخارف والأهواء حتى يظنوا أنها مخلدتهم ويحسبوا أنه لا بعث ولا جزاء .

{ ويسخرون من الذين آمنوا } جملة في موقع الحال فهم مع كونهم لا يرجحون لقاء الله يهزؤون ممن اهتدى بهداه وقد فصل تمادي المستهزئين في آيات من كتاب الله : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين . وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون }{[657]} . بل لقد سخروا -عليهم لعنة الله- من صفوة البشر محمد خاتم الأنبياء كما أخبره مولاه جل علاه { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا . . }{[658]} .

{ والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة } إما بالمكان وذلك لأنهم يكونون في عليين والكفار والذين أجرموا في سجين ، وإما بالرتبة فإن المتقين في جنات ونهر { في مقعد صدق عند مليك مقتدر }{[659]} . والذين كفروا في الذل والخزي والعذاب المهين { . . ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا }{[660]} .

{ والله يرزق من يشاء بغير حساب } يرزق من يشاء من مؤمن وكافر بغير حساب يكون لأحد عليه ولا مطالبة ، ولا سؤال سائل ، فالأمر أمره والحكم حكمه ولا يسأل عما يفعل . . ويحتمل أن يخص الرزق في الآية بالمؤمنين في الآخرة وعلى هذا يكون معنى { بغير حساب } أي رزقا واسعا وغذاء لا فناء له ولا انقطاع ولا حصر كقوله : { . . . يرزقون فيها بغير حساب }{[661]}- {[662]} .


[657]:من سورة المطففين الآيات 29-32
[658]:من سورة الأنبياء من الآية 36.
[659]:من سورة القمر الآ ية55
[660]:من سورة النبأ الآية 40
[661]:من سورة المؤمن {غافر} من الآية40
[662]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن