وبعد أن أرشدهم الرحمن إلى دلائل التوحيد ، وحثهم على عبادة الخالق العظيم ، أشار لهم إلى دلائل وحدانيته من آيات قدرته المحيطة بهم في أرضه وسمائه ، وبصّرهم بما أنعم عليهم فيها من وسائل الحياة ، وموارد الرزق ، فقال : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً } مهّده بقدرته وبسَط رقعته بحكمته ، كيما يسهُل عليكم العيش فيها والانتفاع بها . والبسط والتمهيد هنا لا يعني كروية في الشكل ولا عدمها ، وإنما يعني تذليل الأرض لنفع الإنسان . لكنّ الله بسط لنا في الأرض السهول ، وجعل لنا فيه الجبال الشاهقة ، والبحار العميقة ، والأنهار الجارية ، والأودية السحيقة ، كل ذلك جعله لنا ، نتمتع بكافة خيراتها العديدة الأصناف .
أما فوقنا ، فقد جعل السماء وأجرامها وكواكبها المتراصة في نظرنا كالبنيان المشيد . ومن هذه السماء أمدّنا جلّ وعلا بسبب الحياة والنعمة ، ألا وهو الماء . أنزله علينا يغيثنا به ، فجعله سبباً لإخراج النبات والشجر المثمر .
لذا فإن من عمى البصيرة والبصر أيها الناس أن تجعلوا لله أندادا . فلا تفعلوه . إذ من الغيّ وحده أن تتصوروا أن لله نظراء ، ثم تأخذون تعبدونهم كعبادته . إنه خالقكم ، ليس له مثيل ولا شريك ، وأنتم بفطرتكم الأصيلة تعلمون أنه لا مثيل له ولا شريك ، فلا تحرّفوا هذه الطبيعة . نعم إن كثيراً من مشركي العرب كانوا يعتقدون بالإلَه ، لكنهم يتذرعون بقولهم : إنما نعبد هذه الأصنام لتُقِّربنا إلى الله . . فهل الله في حاجة إلى وثن يتخذه واسطة بينه وبين عباده ! !
وفي هذه الآية جزء من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم ، وهو قوله تعالى { السماء بِنَآءً } ، ففي ذلك معنى ، ما كان يمكن أن يعرفه النبي الأميّ ، إلا بوحي من الله . فالسماء في المعنى العلمي هي : كل ما يحيط بالأرض في أي اتجاه ،
وإلى أي مدى ، وعلى أية صورة . ويشمل ذلك الجوّ المحيط بالأرض إلى ارتفاعات تنتهي حيث يبدأ الفراغ الكوني الشاسع ، بما فيه من الأجرام السماوية المنتشرة في أعماقه السحيقة ، على اختلاف أشكالها وأحجامها . وهي تتحرك في نظام بديع عجيب ، على أساسه يتوالى ظهورها واختفاؤها لسكان الأرض . وهي جميعاً في دورانها وترابطها بقوى الجاذبية ، كالبنيان في تماسكه واتزانه ، وتدّرجه طبقة بعد طبقة .
وكل هذا لم يكن معروفاً للعلم في عصر محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي الجزء الأدنى من السماء ، وهو الحد المحيط بالأرض ، القريبُ منها مباشرة- توجد الطبقات الجوية المختلفة الواقية من الإشعاعات الضارة عن أرجاء الكون ، والتي لا تسمح إلا للأشعة المنيرة منها بالنفاذ ، فهي كالمضلات الواقية . وفي هذه الطبقة يكون السحاب ومنه المطر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.