فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (22)

و { فِرَاشاً } أي : وطاء يستقرون عليها . لما قدّم نعمة خلقهم أتبعه بنعمة خلق الأرض فراشاً لهم ، لما كانت الأرض التي هي مسكنهم ، ومحل استقرارهم من أعظم ما تدعو إليه حاجتهم ، ثم أتبع ذلك بنعمة جعل السماء كالقبة المضروبة عليهم ، والسقف للبيت الذي يسكنونه كما قال : { وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً محْفُوظاً } [ الأنبياء : 32 ] . وأصل البناء : وضع لبنة على أخرى ، ثم امتنّ عليهم بإنزال الماء من السماء . وأصل ماء موه ، قلبت الواو لتحركها ، وانفتاح ما قبلها ألفاً فصار ماه ، فاجتمع حرفان خفيفان ، فقلبت الهاء همزة . والثمرات جمع ثمرة . والمعنى : أخرجنا لكم ألواناً من الثمرات ، وأنواعاً من النبات ، ليكون ذلك متاعاً لكم إلى حين . والأنداد جمع ندّ ، وهو المثل والنظير . وقوله : { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية ، والخطاب للكفار ، والمنافقين .

فإن قيل : كيف وصفهم بالعلم ، وقد نعتهم بخلاف ذلك حيث قال : { ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 13 ] { ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ } [ البقرة : 12 ] { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } [ البقرة : 16 ] { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } [ البقرة : 18 ] . فيقال : إن المراد أن جهلهم ، وعدم شعورهم لا يتناول هذا ، أي : كونهم يعلمون أنه المنعم دون غيره من الأنداد ، فإنهم كانوا يعلمون هذا ، ولا ينكرونه كما حكاه الله عنهم في غير آية . وقد يقال : المراد ، وأنتم تعلمون ، وحدانيته بالقوّة ، والإمكان لو تدبرتم ، ونظرتم . وفيه دليل على وجوب استعمال الحجج ، وترك التقليد . قال ابن فُورَك : المَراد وتجعلون لله أنداداً بعد علمكم الذي هو نفي الجهل بأن الله واحد انتهى . وحذف مفعول تعلمون للدلالة على عدم اختصاص ما هم عليه من العلم بنوع واحد من الأنواع الموجبة للتوحيد .

/خ22