الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (22)

قوله : ( الذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَرْضَ فِرَاشاً )[ 21 ] .

أي بساطاً ، وإنما سميت الأرض أرضاً لارتعادها عند الزلازل . يقال : " رجل ما روض " إذا/ كانت به رعدة ، " وأرض ما روضة " إذا كانت كثيرة الزلازل( {[1126]} ) .

وقوله : ( مهاداً ) هو خصوص مهد الله من الأرض ما بالناس إليه حاجة ومنفعة . وإلا( {[1127]} ) ففيها السهل والوعر والجبال والأودية والهبوط والصعود .

قوله : ( وَالسَّمَاءَ بِنَاءً )[ 21 ] .

أي مرتفعة عليكم . والسماء تذكر وتؤنث( {[1128]} ) .

وقال المبرد : " السماء هنا جمع السماوات( {[1129]} ) [ كتمرة وتمر( {[1130]} ) ] ، ودليله قوله : ( فَسَوَّاهُنَّ ) [ البقرة : 28 ] . ولم يقل " فسواها " .

وتجمع السماء/ إذا كانت واحدة على ستة( {[1131]} ) أبنية :

- جمعان مسلمان ، تقول : سماوات وسماءات( {[1132]} ) .

- وجمعان مكسران لأقل العدد ، تقول : سماء واسم وأسمية .

- وجمعان مكسران لأكثر العدد ، تقول سماء وسمايا وسمي ، وإن شئت كسرت السين في " سمي " . وقد جاء في الشعر( {[1133]} ) " سَمَاءِيَا " . وفيه اتساعات ثلاثة . قال : / الشاعر :

سَمَاءُ الإلهِ فوقَ سَبْعِ سَمَاءِيَا( {[1134]} ) .

فعلى هذا يجوز أن تجمع سماء على سماء كصحار( {[1135]} ) . فالشاعر شبه سماء برسالة لأن السَّمَاءَ( {[1136]} ) فَعَالٌ( {[1137]} ) ، ورِسَالَةٌ فِعَالَةٌ ، وهما أختان في عدد الحروف والحركات .

- والثالث فيها( {[1138]} ) ألف بعدها كسرة ، فكان يجب أن تقول " سمايا " ، كما تقول : " رَسَائِلُ " و " خطايا " ، فأتى به على الأصل ، فقال " سمائي " ، ثم لحقته ضرورة أخرى فأجرى المعتل مجرى السالم فقال : سمائي ، وكان [ حقه إذ( {[1139]} ) ] أتى به على الأصل أن يقول " سماء " كجوار وقاض لكنه أجراه للضرورة مجرى ما لا ينصرف من السالم ففتح ، ثم أطلق الفتحة فصارت ألفاً ، فقال " سماءيا " . ففيه ثلاثة( {[1140]} ) اتساعات .

وفي الوقف على السماء المنصوبة خمسة أوجه :

- [ أولها : أن تَقِفَ( {[1141]} ) ] على همزة ساكنة بعد مدة .

- والثاني : أن تروم حركة الهمزة وتمد .

- والثالث : أن تجعل الهمزة بين بين ، وتروم الحركة وتمد .

- والرابع : أن تبلد من الهمزة أيضاً ثم تحذفها لسكونها وسكون الألف التي قبلها ولا تمد .

- والخامس : أن تبدل أيضاً وتحذف وتمد لتدل المدة على الأصل لأن الحذف عارض . وفي الوقف على بناء( {[1142]} ) المنصوب أوجه :

- " بناء( {[1143]} ) " بهمزة مفتوحة بعدها ألف ، وقبلها ألف ، فتمد قبل الهمزة مداً مشبعاً ، وبعدها مداً ممكناً ، وعليه أكثر القراء .

- والثاني : أن تجعل الهمزة بين بين ، وتمد . وهو مذهب حمزة في الوقف .

- والثالث : أن تحذف الهمزة ، وتحذف الألف لالتقاء ألفين ، ولا تمد ، فيصير بلفظ المقصور لغة للعرب ، لم يقرأ به أحد .

- والرابع : أن تحذف الهمزة والألف على ما ذكرنا ، وتمد لتدل على أن أصله المد .

- والخامس : أن تبدل من الهمزة ياء ، فتقول " بنايا " لغة للعرب لم يقرأ بها أحد( {[1144]} )/ حكى عن العرب : " اشتريت مايا " ، يريدون ماء يشبهونه ب " خطايا( {[1145]} ) " وقد( {[1146]} ) كان أصل خطاياءا ، منقول من خطائي ، ثم أبدلوا من الهمزة ياء .

وقد قال ابن كيسان( {[1147]} ) : " لا يكتب هذا المثال إلا بألفين( {[1148]} ) ، وإن شئت بثلاث( {[1149]} ) ألفات وهو الأصل فيها . وكتب في المصاحف( {[1150]} ) بألف واحدة اختصاراً( {[1151]} ) " ( {[1152]} ) .

وقوله : ( جَعَلَ لَكُمُ الاَرْضَ فِرَاشاً )[ 21 ] .

أي مهاداً( {[1153]} ) ، لا حزنة( {[1154]} ) كلها ، ولا جبال كلها .

وقال بعض الصحابة في قوله : ( السَّمَاءَ بِنَاءً ) ، " بني( {[1155]} ) السماء على الأرض/ كهيئة القبة ، فهي سقف على الأرض " ( {[1156]} ) .

وقوله : ( وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ) الآية[ 21 ] .

في الوقف على " السماء " المخفوض و " ماء " . كالذي في الأول . " وبناء " مثل " ماء " في النصب( {[1157]} ) .

وقوله : ( فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ )[ 21 ] .

" مِنْ " للتبعيض . و " السماء " في هذا الموضع يراد بها السحاب ، لأن الماء منها ينزل( {[1158]} ) كما قال : ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً ) [ النبأ : 14 ] . والمعصرات السحائب وكل ما علا فوقك فهو سماء . وسقف البيت سماؤه ، وهو سماء لمن تحته .

وقوله : ( فَلاَ تَجْعَلُوا لِلهِ أَندَاداً )[ 21 ] .

أي أمثالاً . ونِدُّ الشيء مثله ، والند خلاف الضد .

وقيلي : شركاء . وقيل : أشباها( {[1159]} ) . وقيل : أكفاء( {[1160]} ) .

وروى ابن مسعود أنه سأل النبي [ عليه السلام( {[1161]} ) ] أي الذَّنْبِ( {[1162]} ) أَعْظَمُ ؟ قَالَ : [ أنْ تجعلَ( {[1163]} ) ] للهِ نِداً وَهُوَ خَلَقَكَ " الحديث( {[1164]} ) .

وقال عكرمة( {[1165]} ) : " هو قولهم : لولا كلبنا لدخل علينا اللص( {[1166]} ) " .

وقال أبو عبيدة : " الند الضد " ( {[1167]} ) .

وقوله : ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )[ 21 ] .

أي تعلمون أن الله خلقكم وخلق السماوات والأرض .

وقيل : معناه : وأنتم تعلمون أن الله لا شبيه له في التوراة والإنجيل ، فيكون الكلام مخاطبة لأهل الكتاب على هذا التأويل . وعلى القول الأول هو مخاطبة لجميع الكفار( {[1168]} ) .

ومعنى العلم الذي نسبه إليهم أنه علم تقوم به عليهم الحجة ، وليس بالعلم الذي هو ضد الجهل ؛ دليله قوله ( قُلَ اَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِيَ أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ )( {[1169]} ) . فثبت جهلهم لأنهم علموا أن الله خالقهم ، وجعلوا له أنداداً . فأما قوله تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )( {[1170]} ) . فهذا هو العلم الذي هو ضد الجهل .


[1126]:- انظر: اللسان/ 1/47، وتفسير القرطبي 1/203.
[1127]:- في ع2: لا. وهو تحريف.
[1128]:- انظر: اللسان 2/211.
[1129]:- في ح: سماوة
[1130]:- في ق: كثمر وثمر. وفي ع3: كثيرة وتمر.
[1131]:- انظرها في اللسان 2/211.
[1132]:- انظر: إعراب القرآن 1/148.
[1133]:- في ق: السعر. وهو تصحيف.
[1134]:- في ع2، ق، ع3: سماواياً. والبيت لأمية ابن أبي الصلت. وصدره: لَهُ مَا رَأَتْ عَيْنُ البَصِيرِ وَفَوْقَهُ. انظر: اللسان 2/211.
[1135]:- في ع3: جار، وهو خطأ.
[1136]:- في ع2: سماء.
[1137]:- في ع1، ق، ع3: فعلاً. وفي ح: فعالاً.
[1138]:- في ق: فيسمى.
[1139]:- في ع2: تحقه إذ، وفي ع3: حقه إذا.
[1140]:- في ح: ثلاث. وهو خطأ.
[1141]:- في ع3: أولاها أن يقف.
[1142]:- في ع2: ماء. وهو تحريف.
[1143]:- في ع2 ماءا. وفي ق، ع3: بناء.
[1144]:- في ع3: العرب.
[1145]:- في ع3: بخطأ.
[1146]:- سقط منع2، ع3.
[1147]:- هو محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن. كان قيماً بمذهب البصريين والكوفيين، شارك في بعض العلوم كالتفسير والحديث. أخذ عن المبرد. (ت299هـ). انظر: نزهة الألبا 178 وبغية الوعاة 2/267.
[1148]:- في ع1، ع2، ق، ع3: بالعين.
[1149]:- في ع1، ع2، ع3: ثلاثة.
[1150]:- في ق: ع3: المصحف.
[1151]:- في ع1، ق: اختصار.
[1152]:- انظر: تفسير القرطبي 1/229.
[1153]:- في ع2: بهذا. وهو تحريف.
[1154]:- في ع1: خازن. وفي ع3: خزنة. والخزنة من الأرض ما غلظ منها. انظر: اللسان 1/627.
[1155]:- في ع2، ع3: ببني.
[1156]:- انظر: تفسير ابن مسعود 2/32-33.
[1157]:- في ع2: الوصف.
[1158]:- في ق: وينزل.
[1159]:- في ع2: وأشباهها. و"أشباها" هو قول ابن عباس في جامع البيان 1/369.
[1160]:- انظر: تفسير ابن مسعود 2/34.
[1161]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[1162]:- في ع3: ذنب.
[1163]:- في ع3: أتجعل.
[1164]:- انظر: صحيح البخاري 5/148-8/34، 8/207، وصحيح مسلم 1/90، وسنن أبي داود 2/94.
[1165]:- في ق: عركة: وهو تحريف. وهو عكرمة أبو عبد الله البربري ثم المدني، مولى ابن عباس، مفسر، فقيه. روى عن عائشة وروى عنه عاصم الأحول وخالد الحذاء. (ت105هـ). انظر: طبقات ابن خياط 280، وتذكرة الحفاظ 95-96 وتقريب التهذيب 2/29، والخلاصة 8/239.
[1166]:- انظر: جامع البيان 1/369.
[1167]:- انظر: مجاز القرآن 1/3.
[1168]:- انظر: جامع البيان 1/370-371.
[1169]:- الزمر آية 61.
[1170]:- فاطر آية 128.