اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (22)

قوله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ } يحتمل النصب والرَّفع ، فالنصب من خمسة أوجه :

أحدها : أن يكون نصبه على القطع .

الثاني : أنه نعت لربكم .

الثالث : أنه بدل منه .

الرابع : أنه مفعول ل " تتقون " ، وبه قال أبو البقاء .

الخامس : أنه نعت النعت ، أي : الموصول الأول ، لكن المختار أن النعت لا ينعت ، بل إن جاء ما يوهم ذلك جعل نعتاً للأول ، إلا أن يمنع مانع فيكون نعتاً للنعت ، نحو قولهم : " يا أيها الفارس ذو الجمة " {[802]} فذو الجمة نعت للفارس لا ل " أي " ؛ لأنها لا تنعت إلا بما تقدم ذكره .

والرَّفع من وجهين :

أحدهما وهو الأصح : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هو الذي جعل .

والثاني : أنه مبتدأ ، وخبره قوله بعد ذلك : فلا تجعلوا لله ، وهذا فيه نظر من وجهين :

أحدهما : أنّ صلته ماضية فلم يشبه الشرط ، فلا يزاد في خبره " الفاء " .

الثاني : عدم الرابط ، إلا أن يقال بمذهب الأخفش ، وهو أن يجعل الربط مكرر الاسم الظَّاهر إذا كان بمعناه نحو : " زيد قام أبو عبد الله " إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد ، وكذلك هنا أقام الجلالة مقام الضَّمير ، كأنه قال : الَّذي جعل لكم ، فلا تجعلوا له أنداداً .

و " الذي " كلمة موضوعة للإشارة إلى المفرد{[803]} عند محاولة تعريفه بقضية معلومة كقولك{[804]} : ذهب الرجل الذي أبوه منطلق ، فأبوه منطلق قضية معلومة ، فإذا حاولت تعريف الرجل بهذه القضية المعلومة أدخلت عليه الَّذي ، وهو يحقّق قولهم : إنه مستعمل لوصف المعارف بالجمل .

وإذا ثبت هذا فقوله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً } يقتضي أنهم كانوا عالمين بوجود شيء جعل الأرض فراشاً ، والسّماء بناءً ، وذلك تحقيق قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ لقمان : 25 ] .

و " جعل " فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى " صَيَّر " فتتعدى لمفعولين فيكون " الأرض " مفعولاً أول ، و " فراشاً " مفعولاً ثانياً .

والثاني : أن يكون بمعنى " خلق " فيتعدّى لواحد وهو " الأرض " ويكون " فراشاً " حالاً .

و " السماء بناء " عطف على " الأرض فراشاً " على التقديرين المتقدمين ، و " لكم " متعلق بالجعل أي : لأجلكم ، والفراش : قيل : البساط ، وقيل : مثلها .

وقيل : ما يوطأ ، ويُقعد عليه .

واعلم أنه - تعالى - ذكر ها هنا أنه جعل الأرض فراشاً ، ونظيره قوله : { أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً }

[ النمل : 61 ] وقوله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً } [ طه : 53 ] .

واعلم أن كون الأرض فراشاً مشروط بأمور :

قال ابن الخطيب{[805]} : أحدها : كونها ساكنة ؛ فإنها لو كانت متحركة لم يمكن الانتفاع بها لما تقرر في المعقولات .

الثاني : ألا تكون في غاية الصَّلابة كالحجر ؛ فإن النّوم عليه والمشي مما يؤلم البدن ، وأيضاً لو كانت الأرض من الذَّهب مثلاً لتعذّرت الزراعة ولتعذّر حفرها ، وتركيبها لما يراد .

وألاَّ تكون في غاية اللين كالماء الذي تغوص فيه الرِّجْل .

الثالث : ألاّ يكون في غاية اللّطافة والشفافية ؛ فإن الشفّاف لا يستقر النور عليه ، وما كان كذلك فإنه لا يتسخن بالشمس فكان يبرد جدًّا ، فجعل كيفية لونه أخضر ليستقر النور عليه ، فيتسخن فيصلح أن يكون فراشاً للحيوانات .

الرابع : أن تكون بارزةً من الماء ؛ لأن طبع الأرض أن يكون غائصاً في الماء فكان يجب أن تكون البحار محيطةً بالأرض ، ولو كانت كذلك لما كانت فراشاً لنا ، فقلب{[806]} الله طبيعة الأرض وأخرج بعض أجزائها [ من المياه ]{[807]} كالجزيرة البارزة حتى صلحت لأن تكون فراشاً لنا .

ومن الناس من زعم أن الشرط في كون الأرض فراشاً ألا تكون كرة واستدل بهذه الآية ، وهذا بعيد ؛ لأن الكرة إذا عظمت جدًّا كانت القطعة منها كالسطح{[808]} في إمكان الاستقرار عليه ، والذي يؤيده كون الجبال أوتاداً للأرض ويمكن الاستقرار عليها ، فها هنا أولى .

فَصْلٌ في منافع الأرض وصفاتها

فأولها : الأشياء المتولّدة فيها من المعادن ، والنبات ، والحيوان ، والآثار العلوية والسّفلية ، ولا يعلم تفاصيلها إلا الله تعالى .

وثانيها : اختلاف بقاع الأرض ، فمنها أرض رخوة ، وصلبة ، ورملة ، وسبخة ، وحرّة ، قال تعالى : { وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } [ الرعد : 4 ] .

وقال تعالى : { وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [ الأعراف : 58 ] .

وثالثها : اختلاف طعمها وروائحها .

ورابعها : اختلاف ألوانها فأحمر ، وأبيض ، وأسود ، ورمادي ، وأغبر ، قال تعالى : { وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [ فاطر : 27 ] .

وخامسها : انصداعها بالنبات ، قال تعالى : { وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ }

[ الطارق : 12 ] .

وسادسها : كونها خازنةً للماء المنزل ، قال تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ } [ المؤمنون : 18 ] .

وسابعها : العيون والأنهار العظام .

وثامنها : ما فيها من المَفَاوِزِ والفَلَواتِ { وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } [ ق : 7 ] .

وتاسعها : أن لها طبع الكرم ؛ لأنك تدفع إليها حبّة وهي تردها عليك سبعمائة { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ } [ البقرة : 261 ] .

وعاشرها : حَبَاتها بعد موتها { وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا }

[ يس : 33 ] .

الحادي عشر : ما فيها من الدَّواب المختلفة الألوان والصّور والخلق { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ } [ البقرة : 164 ] .

الثانية عشرة : ما فيها من النبات المختلف ألوانه ، وأنواعه ، ومنافعه : { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ ق : 7 ] .

وفي اختلاف ألوانها دلالة ، واختلاف روائحها دلالة ، فمنها قوت البشر ، ومنها قوت البهائم : { كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } [ طه : 54 ] ومطعوم البشر ، فمنها الطعام ومنها الإدام ، ومنها الرَّوَاء ، ومنها الفاكهة ، ومنها الأنواع المختلفة في الحَلاَوَةِ والحموضة ، ومنها كسوة البشر ؛ لأن الكسوة إمّا نباتية وهي القطن والكتان ، وإما حيوانية وهي الشَّعَر والصُّوف ، والأَبْرَيْسَم ، والجلود ، وهي من الحيوانات التي بثَّهَا الله في الأرض ، فالمطعوم من الأرض ، والملبوس من الأرض ؛ ثم قال : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] .

وفيه إشارة إلى منافع كثيرة لا نعلمها نحن ، والله [ تعالى عالم بها ]{[809]} .

فَصْلٌ

قال بعضهم : السَّماء أفضل من الأرض لوجوه :

أحدها : أن السَّماء متعبَّد الملائكة ، وما فيها بقعة عُصي الله فيها .

وثانيها : لما أتى آدم - عليه الصلاة والسلام - في الجَنّة بتلك المعصية قيل : اهبط من الجنة ، وقال الله : " لا يسكن في جواري من عَصَاني " .

وثالثها : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } [ الأنبياء : 32 ] وقوله :

{ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً } [ الفرقان : 61 ] ولم يذكر في الأرض مثل ذلك .

ورابعها : في أكثر الأمر ورد ذكر السَّماء مقدماً على الأرض في الذكر .

وقال آخرون : بل الأرض أفضل ؛ لوجوه :

أحدها : أنه - تعالى - وصف بقاعاً في الأرض بالبركة { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } [ آل عمران : 96 ] ، { فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ } [ القصص : 30 ] { إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ الإسراء : 1 ] .

ووصف أرض " الشام " بالبركة فقال : { مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [ الأعراف : 137 ] .

ووصف جملة الأرض بالبركة فقال : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ } [ فصلت : 9 ] إلى قوله : { وَبَارَكَ فِيهَا } [ فصلت : 10 ] .

فإن قيل : فأي بركةٍ في الفَلَواتِ الخالية ، والمَفَاوزِ المُهْلِكَةِ ؟

قلنا : إنها مساكن الوحوش ومرعاها ، ومَسَاكن النَّاس إذا احتاجوا إليها ، فلهذه البركة قال تعالى : { وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ }

[ الذاريات : 20 ] وهذه الآيات وإن كانت حاصلةً لغير المؤمنين ، لكن لمَّا لم ينتفع بها إلا الموقنون جعلها آيات للمؤمنين تشريفاً لهم كما قال : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] .

وثانيها : أنه - سبحانه - خلق الأنبياء المكرمين من الأرض على ما قال : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [ طه : 55 ] ولم يخلق من السماء شيئاً ، لأنه قال : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } [ الأنبياء : 32 ] .

وثالثها : أن الله - تعالى - أكرم نبيّه ، فجعل الأرض كلها مسجداً ، وجعل ترابها طهوراً .

فَصْلٌ في فَضْلِ السَّمَاءِ

وهو من وجوه :

الأول : أن الله - تعالى - زيَّنَهَا بسبعة أشياء : بالمصابيح { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [ الملك : 5 ] .

وبالقمر { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [ نوح : 16 ] وبالشمس : { وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً } [ نوح : 16 ] .

وبالعرش ، وبالكرسي ، وباللوح المحفوظ ، وبالقلم ، فهذه السَّبعة ثلاثة منها ظاهرة ، وأربعة مثبتة{[810]} بالدلائل السَّمعية{[811]} .

الثاني : أنه - تعالى - سمّاها بأسماء تدلّ على عظم شأنها سماء ، وسقفاً محفوظاً ، وسبعاً طباقاً ، وسبعاً شداداً ، ثم ذكر عاقبة أمرها فقال : { وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ } [ المرسلات : 9 ] ، { وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ }

[ التكوير : 11 ] ، { إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ } [ الانفطار : 1 ] ، و{ إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ } [ الانشقاق :1 ] ، { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ }

[ الأنبياء : 104 ] ، { تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ } [ المعارج : 8 ] ، { يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً } [ الطور : 9 ] . { فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } [ الرحمان : 37 ] .

وذكر مبدأها فقال : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [ فصلت : 11 ] وقال : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } [ الأنبياء : 30 ] فهذا الاستقصاء والتشديد في كيفية حدوثها وفنائها يدلُّ على أنه - سبحانه وتعالى - خلقها لحكمة بالغة على ما قال : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً }

[ ص : 27 ] .

الثَّالث : أنه - تعالى - جعل السَّماء قِبْلَةَ الدعاء ، فالأيدي تُرفع إليها ، والوجوه تتوجّه نحوها ، وهي منزل الأنوار ، ومحل الضياء والصّفاء ، والطهارة ، والعصمة من الخلل والفَسَاد .

والبناء : مصدر " بنيت " ، وإنما قلبت " الياء " همزة لتطرُّفها بعد ألف زائدة ، وقد يراد به المفعول ، و " أنزل " عطف على " جعل " و " من السماء " متعلّق به ، وهي لابتداء الغاية ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أن تكون حالاً من " ما " ؛ لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها نصبت حالاً ، وحينئذ معناها التبعيض ، وثَمَّ مضاف محذوف أي : من مياه السماء ماء .

وأصل " ماء " موه بدليل قولهم : " مَاهَتِ الرَّكِيَّةُ تَمُوهُ " وفي جمعه مياه وأمواه ، وفي تصغيره : مويه ، فتحركت " الياء " وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفاً ، فاجتمع حرفان خفيفان : " الألف " و " الهاء " ، فأبدلوا من " الهاء " أختها وهي الهمزة ؛ لأنها أجلد منها .

فإن قيل : كيف قال : { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } [ البقرة : 22 ] وإنما ينزل من السَّحاب ؟ فالجواب أن يقال : ينزل من السَّماء إلى السحاب ، ومن السحاب إلى الأرض .

فَصْلٌ في أوجه ورود لفظ الماء

قال أبو العباس المقري : ورد لفظ الماء في القُرْآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى الماء المُطْلَق كهذه الآية .

الثاني : بمعنى النّطفة . قال تعالى : { خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] .

وقوله : { مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ } [ السجدة : 8 ] .

الثالث : بمعنى القرآن . قال تعالى : { أَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } [ الرعد : 17 ] بمعنى القرآن ، احتمله الناس على قَدَرٍ .

قوله : " فأخرج " عطف على " أنزل " مرتب عليه ، و " به " متعلق به ، و " الباء " فيه للسببية ، و " من الثمرات " متعلّق به أيضاً ، و " من " هنا للتبعيض ، كأنه قصد بتنكير{[812]} الماء والرزق معنى البعضِيّة ، كأنه قيل : وأنزل من السماء بعض الماء ، فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم ؛ إذ ليس جميع رزقهم هو بعض الثمرات ، إنما ذكر بعض رزقهم .

وأبعد من جعلها زائدة لوجهين :

أحدهما : زيادتها في الواجب ، وكون المجرور بها معرفةً ، وهذا لا يقول به بَصْرِيّ ولا كُوفِيّ إلاّ أبا الحسن الأَخْفَشَ{[813]} .

والثاني : أن يكون جميع الثمرات رزقاً لنا . وهذا يخالف الواقع ؛ إذ كثير من الثمرات ليس رزقاً لنا . وجعلها الزمخشري لبيان الجنس ، وفيه نظر ؛ إذ لم يتقدم ما يبين هذا ، وكأنه يعني أنه بيان ل " رزقاً " من حيث المعنى .

و " رزقاً " ظاهره أنه مفعول به ناصبه " أخرج " ، ويجوز أن يكون " من الثمرات " في موضع المفعول به ، والتقدير : فأخرج ببعض الماء بعض الثمرات ، وفي " رزقاً " حينئذ وجهان :

أحدهما : أن يكون حالاً على أن الرزق بمعنى المرزوق كالطَّحْن والرِّعْي .

والثاني : أن يكون مصدراً منصوباً على المفعول من أجله ، وفيه شروط النصب موجودة .

وأجاز أبو البقاء{[814]} أن يكون " من الثمرات " حالاً من " رزقاً " ؛ لأنه لو تأخر لكان نعتاً ، فعلى هذا يتعلّق بمحذوف .

وجعل الزمخشري " من الثمرات " واقعاً موقع الثمر أو الثمار ، يعني مما ناب فيه جمع قلّة عن جمع الكَثْرة نحو : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ } [ الدخان : 25 ] و{ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } [ البقرة : 228 ] ، ولا حاجة تدعو إلى هذا ؛ لأن جمع السَّلامة المحلَّى ب " أل " الَّتي للعموم يقع للكثرة ، فلا فرْقَ إذن بين الثَّمَرَات والثِّمَار ، ولذلك ردَّ المحقِّقون قول من رَدَّ على حَسَّان بن ثابت{[815]} رضي الله عنه : [ الطويل ]

لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ في الضُّحَى *** وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا{[816]}

قالوا : كان ينبغي أن يقول : " الجِفَان " ، و " سيوفنا " ؛ لأنه أمدح ، وليس بصحيح ؛ لما ذكرت قبل ذلك .

و " لكم " يحتمل التعلّق ب " أخرج " ، ويحتمل التعلّق بمحذوف ، على أن يكون صفة ل " رزقاً " . هذا إن أريد بالرزق المرزوق ، وإن أريد به المصدر ، فيتحمل أن تكون الكاف في " لكم " مفعولاً بالمصدر واللام مقوية له نحو : " ضربت ابني تأديباً له " أي : تأديبه .

قوله : { فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً } " الفاء " للتسبب أي : تسبب عن إيجاد هذه الآيات الباهرة النهي عن اتخاذكم الأنداد ، و " لا " ناهية ، و " تجعلوا " مجزوم بها ، علامة جزمه حذف النون ، وهي هنا بمعنى تُصَيِّرُوا .

وأجاز أبو البَقَاءِ أن تكون بمعنى : تُسَمُّوا ، وعَلَى القولين فيتعدى لاثنين .

أولهما : " أنداداً " .

وثانيهما : الجار والمجرور قبله ، هو واجب التقديم ، و " أنداداً " جمع نِدّ .

وقال أبو البقاء : " أنداداً " جمع " نِدّ " و " نديد " ، وفي جعله " نديد " نظر ؛ لأنّ أفعالاً يحفظ في فعيل بمعنى فاعل ، نحو : شريف وأشراف ، ولا يقاس عليه .

فإن قيل : بم تعلّق قوله : " فلا تجعلوا " ؟

فالجواب فيه وجوه :

أحدها : أن يتعلّق بالأمر أي : اعبدوا ، ولا تجعلوا لله أنداداً ، فإن أصل العبادة التوحيد .

وثانيها : ب " لعل " على أن ينتصب ب " تجعلوا " انتصاب " فَأَطَّلِع " في قراءة{[817]} حَفْصٍ .

قال الزمخشري{[818]} : والمعنى خلقكم لكي تتقوا ، وتخافوا عقابه فلا تثبتوا له ندًّا ، فإنه من أعظم موجبات العقاب ، فعلى هذا تكون " لا " نافية ، والفعل بعدها منصوب بإضمار " أن " في جواب الترجي ، وهذا لا يجيزه البصريون ، وسيأتي تأويل " فَأَطَّلِعَ " ، ونظائِرِه في موضعه إنْ شَاءَ الله تعالى .

وثالثها : بقوله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً } .

إذا جعلت " الذي " خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الذي خلق لكم هذه الدلائل الباهرة فلا تتخذوا له شريكاً .

و " النِّدُّ " المقاوم المُضاهي ، سواءٌ كان مِثْلاً ، أو ضدًّا ، أو خلافاً .

وقيل : هو الضِّدُّ عن أبي عُبَيْدة .

وقيل : الكُفْء والمِثْلُ ؛ قَال حَسَّان : [ الوافر ]

أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ *** فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ{[819]}

أي : " وَلَسْتَ لَهُ بِكُفءٍ " .

وقد رُوِيَ ذلك ؛ وقال آخر : [ الرمل ]

نَحْمَدُ اللهَ وَلاَ نِدَّ لَهُ *** عِنْدَهُ الخَيْرُ وَمَا شاءَ فَعَلْ{[820]}

وقال الزمخشري{[821]} : النِّدُّ المِثْلُ : ولا يقال إلا للنّدِّ{[822]} المخالف ؛ قال جرير{[823]} : [ الوافر ]

أَتَيْماً تَجْعَلُونَ إِلَيَّ نِدًّا *** وَمَا تَيْمٌ لِذِي حَسَبٍ نَدِيدُ{[824]}

ونَادَدْتُ الرّجل : خالفته ونافرته ، من : نَدَّ َيَنِدُّ نُدُوداً ، أي : نَفَر .

ومنه الحديث : " أيّ بعيرٍ نَدّ فأعياهم " {[825]} .

ويقال : " نَدِيدَة " على المبالغة ؛ قال لَبِيد{[826]} : [ الطويل ]

لِكَيْلاَ يَكُونَ السَّنْدَرِيُّ نَدِيدَتِي *** وَأَجْعَلَ أَقَوَاماً عُمُوماً عَمَاعِمَا{[827]}

وأما " النَّد " بفتح النون فهل التَّلُّ المرتفع ، والنَّدُّ الطيب أيضاً ، ليس بعربي .

وقرأ محمد بن السَّمَيْفَع{[828]} : " فلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا " .

فإن قيل : إنهم لم يقولوا : إن الأصنام تنازع الله .

قلنا : لما عبدوها وسموها آلهة أشبهت حالهم حَالَ من يعتقد أنها آلهة قادرة على منازعته فقيل لهم ذلك على سبيل التهكُّم بهم .

قوله : { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال ، ومفعول العلم متروك ، لأن المعنى ، وأنتم من أهل العلم ، أو حذف اختصاراً أي : وأنتم تعلمون بطلاق ذلك ، والاسم من " أنتم " قيل : " أن " و " التاء " حرف خطاب يتغير بحسب المخاطب ، وقيل : بل " التاء " هي الاسم ، و " أن " عماد قبلها .

وقيل : بل هو ضمير برمته وهو ضمير رفع منفصل وحكم ميمه بالنسبة إلى السكون والحركة والإشباع والاختلاس حكم " ميم هم ، وقد تقدّم جميع ذلك . والمعنى : إنكم لكمال عقولكم تعلمون أن هذه الأشياء لا يصح جعلها أنداداً لله - تعالى - فلا تقولوا ذلك ؛ فإن القول القبيح ممن علم قبحه يكون أقبح . وهذا الخطاب للكافرين ، والمنافقين ، قاله ابن عباس رضي الله عنه .

فإن قيل : كيف وصفهم بالعِلْمِ ، وقد نعتهم بالخَتْمِ ، والطَّبْعِ ، والصَّمَمِ ، والعمى ؟

فالجواب من وجهين :

أحدهما : وأنتم تعلمون العلم الخاص أن الله خلق ، وأنزل الماء ، وأنبت الرزق ، وهو المنعم عليهم دون الأَنْدَادِ .

الثاني : وأنتم تعلمون وحدانيته بالفرد والإمكان لو تدبرتم ونظرتم ، وفي هذا دليل على استعمال حجج المعقول ، وإبطال التقليد . وقال ابن فُورك{[829]} : يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين ، والمعنى : لا ترتدوا أيها المؤمنون ، وتجعلوا لله أَنْدَاداً بعد علمكم بأن الله واحد .

فَصْلٌ في فرق المشركين

قال ابن الخطيب{[830]} : ليس في العالم أحد يثبت له شريكاً يساويه في الوجود ، والقدرة ، والعلم ، والحكم ، هذا مما لم يوجد ، لكن الثنوية يثبتون إلهين ، أحدهما : حكيم يفعل الخير ، والثاني : سفيه يفعل الشر ؛ وأما اتخاذ معبود سوى الله ، فالذاهبون إلى ذلك فرق .

فمنهم عبدة الكواكب .

ومنهم الصَّائبة فإنهم يقولون : إنَّ الله - تعالى - خلق هذه الكواكب ، وهي مدبّرات لهذا العالم قالوا : فيجب علينا أن نعبد الكواكب ، والكواكب تعبد الله تعالى .

الفريق الثاني : الَّذين يعبدون المسيح عليه الصلاة والسلام{[831]} .

الثالث : عبدة الأوثان . واعلم أنه لا دين من أديان الكفر أقدم من دين عباد النار ؛ لأنه يروى أنّ النّار لما أكلت قربان " هابيل " جاء " إبليس " إلى " قابيل " ، وأخبره أنها إنما أكلت قربان أخيه ، لأنه عبدها ، فعبدت النار من ذلك الوقت .

وقيل : لا دين من أديان الكفر أقدم من دين عبدة الأوثان ؛ لأن أقدم الأنبياء الذين نقل إلينا تاريخهم هو نوح عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه إنما جاء بالرد عليهم على ما أخبر الله - تعالى - عن قومه في قوله تعالى : { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } [ نوح : 23 ] فعلمنا أن هذه المقالة كانت موجودةً قبل نوح عليه الصلاة والسَّلام باقية إلى الآن ، والمذهب الذي هذا شأنه ، فيستحيل معرفة فساده بالضرورة ، لكن العلم بأن هذا الحجر المنحوت في هذه السَّاعة ليس هو الذي خلقه وخلق السماء والأرض علم ضروري ، فيستحيل إطباق الجمع العظيم عليه ؛ فوجب أن يكون لعبدة الأوثان غرض آخر سوى ذلك ، والعلماء ذكروا فيه وجوهاً :

أحدها : ما ذكره أبو معْشَرٍ جَعْفَرُ بن محمد المنجم البَلْخي{[832]} أن كثيراً من أهل " الصِّين " و " الهند " كانوا يقولون بالله ، وملائكته ، ويعتقدون أنه - تعالى - جسم وصورة كأحسن ما يكون من الصُّور ، وهكذا حال الملائكة أيضاً في صورهم الحسنة ، وأنهم كلّهم قد احتجبوا عنا بالسماء ، وأن الواجب عليهم أن يصوغوا تماثيل أنيقة المنظر ، حسنة المرأى ، على الهيئة{[833]} التي كانوا يعتقدونها من صور الإله والملائكة ، فيعكفون على عبادتها قاصدين به طلب الزُّلْفَى إلى الله - سبحانه - وملائكته .

فإن صَحّ ما قال أبو معشر ، فالسَّبب في عبادة الأوثان اعتقاد الشبه .

وثانيها : ما ذكر أكثر العلماء أن الناس رأوا تغيرات أحوال هذا العالم مربوطة بتغيرات أحوال الكواكب ؛ فإنه بحسب قرب الشمس وبعدها عن سمت الرأس يحدث الفصول المختلفة ، والأحوال المتباينة ، ثم إنهم رصدوا أحوال سائر الكواكب ، فاعتقدوا ارتباط السعودة والنحوسة في الدنيا بكيفية وقوعها في طوالع الناس ، فلما اعتقدوا ذلك بالغوا في تعظيمها ، فمنهم من اعتقد أنها أشياء واجبة الوجود لذواتها ، وهي التي خلقت هذه العوالم ، ومنهم من اعتقد أنها مخلوقة للإله الأكبر ، لكنها [ خالقة لهذا ]{[834]} العالم ، فالأولون اعتقدوا أنها هي الإله في الحقيقة ، والآخرون أنها هي الوسائط بين الله وبين البشر ، فلا جرم اشتغلوا{[835]} بعبادتها والخضوع لها ، ثم لما رأوا الكواكب مستترة في أكثر الأوقات عن الأبصار اتخذوا لها أصناماً ، وأقبلوا على عبادتها قاصدين بتلك العبادات الأجرام العالية ، ومتقرّبين إلى أشباحها الغائبة ، ثم لما طالت المدة ألغوا ذكر الكواكب وتجرّدوا لعبادة تلك التماثيل ، فهؤلاء في الحقيقة عبدة الكواكب .

وثالثها : أن أصحاب الأحكام كانوا يعيِّنون سنين متطاولة ، نحو الألف والألفين ، ويزعمون أن [ من اتخذ ]{[836]} طلسماً في ذلك الوقت على{[837]} وجه خاص ، فإنه ينفع في أحوال مخصوصة نحو السَّعادة والخصب ، ودفع الآفات ، وكانوا إذا اتخذوا ذلك الطلسم عَظَّموه لاعتقادهم أنهم ينتفعون به ، فلمَّا بالغوا في ذلك التعظيم صار ذلك كالعبادة ، ولمَّا طالت مدّة ذلك الفِعْلِ نسوا مبدأ الأمر ، وانشغلوا بعبادتها على الجهالة بأصل الأمر .

ورابعها : أنه متى مات منهم رجل كبير يعتقدون في أنه مجاب الدعوة ، ومقبول الشَّفاعة عند الله - تعالى - اتخذوا أصناماً على صورته ، ويعبدونه على اعتقاد أن ذلك الإنسان يكون شفيعاً لهم يوم القيامة عند الله - تعالى - على ما أخبر الله عنهم في قولهم :

{ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ } [ يونس : 18 ] .

وخامسها : لعلهم اتخذوها محاريب لصلاتهم ، وطاعاتهم ، ويسجدون إليها لا لها كما أنَّا نسجد إلى القبلة لا للقبلة ، ولما استمرت هذه الحالة ظنّ الجهال من القوم أنه يجب عبادتها .

وسادسها : لعلّهم كانوا يعتقدون جواز حلول الرب فيها فعبدوها على هذا التأويل . فهذه هي الوجوه التي يمكن حمل هذه المقالة عليها حتى ليصير{[838]} بحيث يعلم بطلانه بضرورة العقل .

واعلم أنّ إقامة الدّلالة على افتقار العالم إلى الصَّانع المختار يبطل القول بعبادة الأوثان على كلّ التأويلات ، والله أعلم .

فَصْلٌ

اعلم أن من بيوت الأصنام المشهورة " غمدان " الذي بناه الضحاك على اسم الزهرة بمدينة " صنعاء " وخربه بن عفان ، ومنها " نوبهار بلخ " الذي بناه " منوشهر " الملك على اسم القمر ، ثم كان لقبائل العرب أوثان معروفة مثل : ود ب " دومة الجندل " لكلب ، و " سواع " لبني هذيل ، و " يغوث " ب " اليمن " لمذحج ، و " يعوق " لمرادية همدان و " نَسْر " بأرض " حمير " لذي الكُلاَع ، و " اللات " ب " الطائف " ل " ثقيف " ، و " مناة " ب " يثرب " للخزرج ، و " العُزّى " لكنانة بنواحي " مكّة " و " أساف " و " نائلة " على " الصفا " و " المروة " .

وكان قُصَيّ جَدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن عبادتها ، ويدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ، وكذلك زَيْدُ بْنُ عَمْرو بْنِ نُفَيْلٍ{[839]} ، وهو الذي يقول : [ الوافر ]

أَرَبٌّ وَاحِدٌ أَمْ أَلْفُ رَبٍّ *** أَدِينُ إِذَا تَقَسَّمَتِ الأُمُورُ ؟ !

تَرَكْتُ اللاَّتَ والعُزَّى جَمِيعاً *** كَذَلِكَ يَفْعَلُ الرَّجُلُ البَصِيرُ{[840]}


[802]:- في أ: الجهة.
[803]:- في أ: الفرد.
[804]:- في أ: كقوله.
[805]:- ينظر الرازي: 3/94.
[806]:- في أ: فغلّب.
[807]:-سقط في ب.
[808]:- في أ: كالمسطح
[809]:- في ب: أعلم.
[810]:- في أ: مبينة.
[811]:- في أ: السبعة.
[812]:- في أ: تذكير.
[813]:- ينظر معاني القرآن: 98.
[814]:- ينظر الإملاء: 1/24.
[815]:- حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري أبو الوليد الصحابي شاعر النبي صلى الله عليه وسلم وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، توفي سنة 54هـ. ينظر تهذيب التهذيب: 1/247، الإصابة: 1/326، خزانة الأدب: 1/111، الأعلام: 2/176.
[816]:- ينظر ديوانه: ص 131، وأسرار العربية: ص 356، وخزانة الأدب: 8/06 -، 107، 110، 116، ولسان العرب (جدا)، والكتاب: 3/578، وشرح المفصل: 5/10، وشرح شواهد الإيضاح: ص 521، والمحتسب: 1/187، والمقاصد النحوية: 4/527، شرح الأشموني: 3/671، الخصائص: 2/206، المقتضب: 2/188، والأشباه والنظائر: 1/135، 1/135، وشواهد الكتاب: (2/181)، والدر المصون: (1/149).
[817]:- ستأتي في غافر (37).
[818]:- ينظر الكشاف: 1/95.
[819]:- ينظر ديوانه: ص 76، وخزانة الأدب: 9/232، 236، 237، ولسان العرب (ندد)، (عرش)، وشرح الأشموني: 3/388، الطبري: (1/198)، القرطبي: (1/160)، والدر المصون: (1/150).
[820]:- البيت للبيد بن ربيعة. ينظر ديوانه: (174)، القرطبي: (1/160)، والدر المصون: (1/150).
[821]:- ينظر الكشاف: 1/95.
[822]:- في أ: للمثل.
[823]:- جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى ابن بدر الكلبي اليربوعي، من تميم ولد سنة 28هـ، أشعر أهل عصره ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم - وكان هجاءا مرا - فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل وكان عفيفا وهو من أغزل الناس شعرا، توفي سنة 110هـ. ينظر الأعلام: 2/119 (1718)، وفيات الأعيان: 1/102، والشعر والشعراء: 179، خزانة البغدادي: 1/36.
[824]:- ينظر البيت في ديوانه: (164)، الكشاف: (1/95)، مجالس العلماء: (114)، والدر المصون: (1/150).
[825]:- في أ: فأغناهم.
[826]:- لبيد بن ربيعة بن مالك، أبو عقيل العامري: أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية. من أهل عالية نجد. أدرك الإسلام، ووفد على النبي – صلى الله عليه وسلم - يُعدّ من الصحابة، ومن المؤلفة قلوبهم. وترك الشعر، فلم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا، سكن الكوفة، وعاش عمرا طويلا. وهو أحد أصحاب المعلقات، وكان كريما: نذر ألاّ تهب الصبا إلا نحر وأطعم، جمع بعض شعره في ديوان، توفي سنة 41هـ. انظر خزانة الأدب للبغدادي: 1/337، الأعلام: 5/240، سمط اللآلي: 13.
[827]:- ينظر البيت في ديوانه: (286)، القرطبي: 1/231، الدر المصون: 1/150.
[828]:- انظر تفسير الرازي: 2/103، والبحر المحيط: 1/239، ونسبها إلى زيد بن علي بن محمد بن السميفع.
[829]:- محمد بن الحسين بن فُورَك، أبو بكر الأصفهاني، المتكلم، الأصولي، الأديب، النحوي، الواعظ، أخذ طريقة أبي الحسن الأشعري عن أبي الحسين الباهلي وغيره، أحيى الله تعالى به أنواعا من العلوم، وبلغت مصنفاته الشيء الكثير، وجرت له مناظرات عظيمة. مات سنة 406، انظر ط. ابن قاضي شهبة: 1/190، ط: السبكي: 3/52، تبيين كذب المفتري: ص 232، الأعلام: 6/313، مرآة الجنان: 3/17، النجوم الزاهرة: 4/240.
[830]:- ينظر الفخر الرازي: 2/103.
[831]:- لم ينقل من طريق صحيح عن ملة من الملل؛ إسلامية أو غير إسلامية، أنها صرّحت بأن الله - تعالى - اتخذ صاحبة، وإنما الذي نقل: هو أن طائفة من النصارى قال: (المسيح ابن الله)، وطائفة من اليهود قالت: (عُزير ابن الله)، وجاء في القرآن آيات كثيرة ترد على هاتين الطائفتين، نذكر من بين هذه الآيات آية واحدة، مع تبيين جهة الرد الذي تضمنته، قال – تبارك وتعالى -: {بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم}. بيان ذلك: أن يقال لهاتين الطائفتين: إما أن تريدوا بقولكم (إن الله ابنا) أن الله أحدثه وأبدعه لا على مثال سبق؛ لكونه لم يتولد من نطفة، أو اختص بمزايا لم توجد في غيره، ولا في من سبقه، وإما أن تريدوا ذلك المعنى المتعارف من الولادة في الحيوان، وإما أن تريدوا معنى آخر، فإن أردتم المعنى الأول، يُردّ عليكم بخلق السماوات والأرض؛ فإن الله أبدعهما لا على مثال سبق، وأودع فيهما من الخواص والمزايا ما لا يدخل تحت حصر، ومع ذلك؛ لم يقل أحد من الملّيين؛ بأن السماوات والأرض ابن الله - فبطل قولكم: إن الله ابنا بهذا المعنى، وإلى هذا الرد أشير بقوله: {بديع السماوات والأرض}، وإن أردتم الولادة المعروفة في الحيوان، فهذا باطل أيضا؛ لوجوه: الأول؛ أن تلك الولادة لا تصلح إلا ممن كانت صاحبة وشهوة، وينفصل عنه جزء، ويحتبس ذلك الجزء في رحم تلك الصاحبة، - وهذه الأحوال إنما تصح في الجسم الذي يصحّ عليه الاجتماع، والافتراق، وباقي عوارض الجسم، وهذا محال على خالق العالم؛ لأنه قديم مخالف للممكنات، وقد أشير إلى هذا الوجه بقوله تعالى: {أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة}. الثاني: -إن تحصيل الولد بهذا الطريق، إنما يصح في حق من لا يكون قادرا على الخلق، والإيجاد، والتكوين دفعة واحدة، - فإذا أراد الولد، وعجز عن تكوينه دفعو واحدة، عدل إلى تحصيله بالطريق المعتاد، أما من كان خالقا لجميع الممكنات، قادرا على كل المحدثات، فإنه إذا أراد إحداث شيء قال له: "كن فيكون" وحيث كان الإله بهذا الوصف، امتنع إحداثه للشخص بطريق الولادة، وهذا الوجه يشير إلى قوله تعالى: {وخلق كل شيء}. الثالث: إن ذلك الولد إما أن يكون قديما، وإما أن يكون حادثا لا جائز أن يكون قديما؛ لأن القديم لا يحتاج لغيره، وهذا الولد يحتاج إلى أبيه في تكوينه، فبطل كونه قديما، فتعين كونه حادثا وحينئذ يقال لهؤلاء القائلين: إن لله ابنا، قد ثبُت بالدليل العقلي أن الله -تعالى - عالم بكل شيء، فإما أن يعلم أن في تحصيل ولد كمالا ونفعا له، وإما أن يعلم أن لا كمال، ولا نفع في تحصيله فإن كان يعلم أن في تحصيل الولد كمالا ونفعا، فلا وقت يفرض إلا والداعي إلى إيجاد هذا الولد متحقق، وهذا يوجب كون الولد أزليًّا، وهو محال، ولم يقل به أحد أصلا، وإن كان يعلم أن لا كمال في إيجاده، ولا نفع في تحصيله - وجب ألا يحدث في وقت من الأوقات، فلا ولد له أصلا، وإلى هذا الوجه أشير بقوله تعالى: {وهو بكل شيء عليم}، وإن أردتم معنى غير ما ذكر، فبينوه لنا لنتكلم معكم فيه. ونقل عن طوائف النصارى القول بالاتحاد، وعن بعضهم القول بالحلول، وعن بعضهم القول بأن عيسى ابن الله، وعن بعض طوائف اليهود القول بأن عزيرا ابن الله، واختلف النقل عن النصارى في معنى الاتحاد: فقيل: معناه أن الكلمة وهي: صفة العلم ظهرت في "عيسى"، وصارت فيه هيكلا، وقيل: معناه المخارجة، بمعنى: أن يكون من الكلمة وعيسى شيء ثالث. وأما القول بالحلول؛ فمعناه على رأي بعض فرقهم: أن الكلمة -وهي صفة العلم - حلّت في المسيح، وعلى رأي البعض الآخر، أن ذات الله حلّت في المسيح، ولما كان كلامهم في الحلول والاتحاد مضطربا، وغير منضبط على وجه صحيح - نذكر الصور العقلية التي تتأتى في الاتحاد والحلول؛ فنقول: إما أن يقولوا باتحاد ذات الله بالمسيح، أو حلول ذاته فيه، أو حلول صفته فيه، وكل ذلك إما ببدن عيسى أو بنفسه، وإما ألا يقولوا بشيء من ذلك؛ وحينئذ فإما أن يقولوا: أعطاه الله قدرة على الخالق والإيجاد أو لا، ولكن خصه الله بالمميزات، وسماه "ابنا" تشريفا؛ كما سمى إبراهيم "خليلا"، فهذه ثمانية احتمالات كلها باطلة للأدلة التي أحالت حلول الله واتحاده، والسابع باطل؛ لما ثبت أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله، وبقي احتمال اتحاد الكلمة بذات المسيح، وهو باطل أيضا؛ لأن الكلمة المراد منها عندهم صفة العلم والاتحاد بجميع معانيه، وأفراده مستحيل على الله بالأدلة السابقة، والشبهة التي أوقعت النصارى في هذه الكلمات؛ هي ما جاء في الإنجيل في عدة مواضع؛ من ذكر الله بلفظ الأب، وذكر عيسى بلفظ الابن، وذكر الاتحاد والحلول تصريحا أو تلويحا. فمن ذلك: ما جاء في إنجيل (يوحنا)، في الإصحاح الرابع عشر (يا فيلسوف، من يراني ويعاينني، فقد رأى الأب، فكيف تقول أنت: أرنا الأب ولا تؤمن أني بأبي وأبي بي واقع واقع، وأن الكلام الذي أتكلم به ليس من قبل نفسي، بل من قبل أبي الحالّ فيّ، وهو الذي يعجل هذه الأعمال التي أعمل، آمن وصدّق أني بأبي وأبي بي). هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربية المتداول عندهم، فأخذ بعضهم الاتحاد من قوله: (من يراني ويعاينني فقد رأى الأب)، وأخذ بعضهم الحلول من قوله: (أبي الحالُّ في)، وأخذ البنوة من التصريح بلفظ الأب مرة بعد أخرى، وهذا لا يصلح دليلا؛ لوجهين: الوجه الأول: توافرت الأدلة على حصول التغيير والتبديل في الإنجيل، فاحتمل أن يكون ذلك المذكور في إنجيل "يوحنا" مما حصل فيه التغيير والتبديل، فلا يصلح حينئذ أن يكون دليلا؛ فلا يصحّ به الاستدلال. الثاني: أن نتنزل ونقول: لا تغيير ولا تبديل في ذلك المنقول، لكن دلالته على مدعاهم ليست يقينية؛ لجواز أن يكون المراد من الاتحاد الذي فهمه بعضهم من الجملة الأولى الاتحاد في بيان طريق الحق، وإظهار كلمة الصدق؛ كما يقال: أنا وفلان واحد في هذا القول؛ ولجواز أن يكون المراد من الحلول المصرح به في بعض الجمل حلول آثار صنع الله؛ من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص؛ ولجواز أن يكون المراد من الأب المُبدئ؛ فإن القدماء كانوا يطلقون الأب على المبدئ، فمعنى قوله: أبي مُبدئي وموجدي،
[832]:- جعفر بن محمد بن عمر البلخي أبو معشر: عالم فلكي مشهور كان أولا من أصحاب الحديث وتعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره تصانيفه كثيرة، منها كتاب الطبائع والمدخل الكبير والألوف في بيوت العبادات والدول والملل والملاحم وهيئة الفلك وطبائع البلدان والأمطار والرياح توفي سنة 262هـ. ينظر الأعلام: 2/127 (1819)، الفهرست لابن النديم: 1/277، ابن خلكان: 1/112.
[833]:- في ب: الماهية.
[834]:- في أ: خلفت هذا.
[835]:- في أ: استقلوا.
[836]:- سقط في أ.
[837]:- في أ: عمل على.
[838]:- في ب: لا تغتر.
[839]:- زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي، نصير المرأة في الجاهلية، وأحد الحكماء. وهو ابن عم عمر بن الخطاب. لم يدرك الإسلام، وكان يكره عبادة الأوثان، كان عدوا لوأد البنات. توفي سنة 17 قبل الهجرة. انظر الأغاني: 3/15، خزانة البغدادي: 3/99، الأعلام: 3/60.
[840]:- ينظر روح المعاني: 1/191، الرازي: 1/105.