تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (29)

ثم بيّن الله في الآية للناس نعمة أخرى مترتبةً على خلْقهم وإيجادهم ، وهي أنه هو الذي تفضل على الخَلق ، فخلَق لمنفعتهم كل هذه النعم الموجودة في الأرض ، توجهت إرادته إلى السماء ، فجعل منها سبع سماوات منتظمات ، فيها ما ترون أيها الناس ، وما لا ترون ، والله محيط بكل شيء .

ولكلمة «استوى » عدة معانٍ ، فيقال : استوى الشيء أي ، اعتدل ، وسوّيت الشيءَ فاستوى : عدلته فاعتدل ، واستوى الطعام : نضح ، والعود : استقام ، والرجل : انتهى شبابه وبلغ أشُدَّه واستقام أمره . واستوى على دابّته : استقر ، وعلى سرير الملك : جلس واستولى عليه ، واستوى إلى الشيء : قصد .

يصح أن يراد بِ «سَبْع سماواتٍ » الطبقات المختلفة لما يحيط بالأرض . وذلك أن الله تعالى بعد أن أكمل تكوين الأرض ودبّت الحياة على سطحها ، كيَّف سبحانه جَوَّ الأرض المحيط بها بما يلائم هذه الحياة ، ويحفظها من أهوال الفضاء . وهكذا كانت طبقات الجو المختلفة ، ودوائر التأمين في الفراغ الكوني الذي يحدثنا العلم عن بعضها . والحق أن هذه الطبقات لم تُعرف إلا من جديد ، ولا يزال علم الفلك حتى الآن في طفولته ، فأنى لمحمد أن يعلم هذه الأمور إلا من الله العليّ الحكيم ! لقد بعثه بالحق ، وأنزل عليه الوحي ، وعلّمه بالقرآن ما لم يكن يعلم .