معاني القرآن للفراء - الفراء  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (29)

وقوله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماء فَسَوَّاهُنَّ . . . }

الاستواء في كلام العرب على جهتين : إحداهما أن يستوِي الرجلُ[ و ] ينتهي شبابُه ، أو يستوي عن اعوِجاج ، فهذان وجهان .

ووجه ثالث أن تقول : كان مقبلا على فلان ثم استوى عليّ يُشاتمني وإليّ سَواء ، على معنى أقْبَلَ إليّ وعليّ ؛ فهذا معنى قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماء } والله أعلم . وقال ابن عباس : ثم استوى إلى السماء : صعِد ، وهذا كقولك للرجل : كان قائما فاستوى قاعدا ، وكان قاعدا فاستوى قائما . وكلٌّ في كلام العرب جائزٌ .

فأما قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماء فَسَوَّاهُنَّ } فإن السماء في معنى جَمْع ، فقال " فَسَوَّاهُنّ " للمعنى المعروف أنهنّ سبعُ سماوات . وكذلك الأرض يقع عليها - وهي واحدةٌ- الجمعُ . ويقع عليهما التوحيدُ وهما مجموعتان ، قال الله عز وجل : { رَبُّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ } . ثم قال : { وَما بَيْنَهُما } ولم يقل بينهن ، فهذا دليل على ما ( قلت لك ) .