الآية 29 وقوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) قيل : إنه صلة قوله : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ) أي كيف تكفرون بالذي خلق لكم ما في الأرض ما يدلكم على وحدانيته ؟ {[380]}
ويحتمل : كيف تكفرون بالذي خلق لكم ما في الأرض نعيما من غير أن كان وجب لكم عليه حق من ذلك لتشكروا له عليها ؟ [ فكيف ]{[381]} وجهتم أنتم الشكر فيها إلى غيره ؟
ويحتمل : خلق لكم ما في الأرض محنة يمتحنكم بها في الدنيا كقوله : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) [ هود : 7 والملك : 2 ] ، ثم لتجزون في دار أخرى ، فكيف أنكرتم البعث ؟
وفي{[382]} خلق الخلق في الدنيا للفناء [ وإحيائهم في الآخرة ]{[383]} حكمة ، وفي إنكارها ذهاب الحكمة .
وقوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء ) قيل : فيه وجوه{[384]} : قيل : استوى [ إلى ]{[385]} الدخان كقوله : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) [ فصلت : 11 ] ، وقيل : استوى : تم كقوله : ( بلغ أشده واستوى ) [ القصص " 14 ] . أي تم . وقيل : استوى أي استولى .
والأصل عندنا في قوله : ( ثم استوى إلى السماء ) و ( استوى على العرش ) [ الأعراف : 54 و . . . ] وغيرها من الآيات من قوله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ الفجر : 22 ] وقوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ) [ البقرة : 210 ] الآية من الآيات التي ظنت{[386]} المشبهة أن فيها تحقيق وصف الله تعالى بما يستحق كثير من الخلق الوصف به على التشابه .
أحدها : أن نصفه بالذي جاء به التنزيل على ما جاء ، ونعلم أنه لا يشبه على ما ذكر من الفعل فيه بغيره لأنك بالجملة تعتقد{[387]} أن الله ( ليس كمثله شيء ) [ الشورى : 11 ] وأنه لا يجوز أن يكون له مثل{[388]} في شيء ؛ إذ لا يوجد حدَثُه فيه أو قدم ذلك الشيء من الوجه الذي أشبه الله . وذلك مدفوع بالعقل والسمع جميعا مع ما لم يجز أن يقدر الصانع عند الوصف بالفعل كغيره ، وأنه حي قدير سميع بصير نفى ما عليه أمر الخلق لما يصير بذلك أحد الخلائق . وإذا [ بطل هذا بطل ]{[389]} التشابه ، وانتفى ، ولزم أمر السمع والتنزيل على ما أراد الله ، وبالله التوفيق .
والثاني أن يمكن فيه معان تخرج الكلام مخرج الاختصار والاكتفاء بمواضع إفهام في تلك المواضع على إتمام البيان ؛ وذلك نحو قوله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ الفجر : 22 ] أي بالملك . وذلك كقوله : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا ) [ المائدة : 24 ] [ أي بربك ( فقاتلا ){[390]} ؛ إذ معلوم أنه يقاتل بربه ، ففهم منه ذلك . وكذلك معلوم أن الملائكة يأتون فكأنه بين ذلك ؛ يدل عليه قوله : ( ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) [ الأنبياء : 27 ] وكذلك [ قوله ]{[391]} : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ) [ البقرة : 210 ] الآية .
ومما يوضح أنه لم يكن أحد اعتقد أو تصور في وهمه{[392]} النظر لإتيان الرب ومجيئه ، ولا كان بنزوله وعد ينظر{[393]} ، وكان بنزول{[394]} الملائكة كقوله : ( يوم يرون الملائكة لا بشرى ) [ الفرقان : 22 ] الآية وقوله : ( ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين ) [ الحجر : 8 ] في ما ذكرنا عظيم أمرهم وجليل شأنهم .
ومثله{[395]} في قوله : ( الرحمان على العرش استوى ) [ طه : 5 ] مع ماله وجهان :
أحدهما : أن يكون معنى العرش الملك والاستواء التام الذي لا يوصف بنقصان في ملك أو الاستيلاء عليه وأن لا سلطان لغيره ولا تدبير لأحد فيه .
والثاني : أن يكون العرش أعلى الخلق وأرفعه ، وكذلك تقدره{[396]} الأوهام ، فيكون موصوفا بعلوه على التعالي عن الأمكنة وأنه على ما كان قبل كون الأمكنة ، وهو فوق كل شيء ، أي بالغلبة والقدرة والجلال عن الأمكنة ، ولا قوة إلا بالله .
وأصله ما ذكرنا : ألا نقدر فعله بفعل الخلق ولا وصفه بوصف الخلق لأنه أخبر ( ليس كمثله شيء ) [ الشورى : 11 ]
وقوله تعالى : ( فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ) مرة{[397]} قال : ( فسواهن ) ، ومرة قال : ( خلق سبع سموات ) [ الطلاق : 12 ، والملك : 3 ] ، ومرة قال : ( فقضاهن سبع سموات ) [ فصلت : 12 ] الآية{[398]} ، ومرة قال : ( بديع السماوات ) [ البقرة : 117 ] وكله يرجع إلى واحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.