اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (29)

هذا هو النعمة الثانية التي عَمّت المكلفين بأسرهم .

" هو " مبتدأ ، وهو ضمير مرفوع منفصل للغائب المذكر ، والمشهور تخفيفُ واوه وفتحها ، وقد تشدد ؛ كقوله : [ الطويل ]

وَإِنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا *** وَهُوَ عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ{[1011]}

وقد تسكن ، وقد تحذف كقوله : [ الطويل ]

فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[1012]}

والموصول بعده خبر عنه . و " لكم " متعلّق ب " خلق " ، ومعناها السَّببية ، أي : لأجلكم ، وقيل : للملك والإباحة ، فيكون تمليكاً خاصاً بما ينتفع به .

وقيل : للاختصاص ، و " ما " موصولة ، و " في الأرض " صلتها ، وهي في محلّ نصب مفعول به ، و " جميعاً " حال من المفعول بمعنى " كلّ " ، ولا دلالة لها على الاجتماع في الزَّمَان ، وهذا هو الفَارِقُ بين قولك : جَاءُوا جميعاً و " جاءوا معاً " فإنّ " مع " تقتضى المُصَاحبة في الزمان ، بخلاف " جميع " قيل : وهي - هُنَا - حال مؤكدة ، لأن قوله : { مَّا فِي الأَرْضِ } عام .

فصل في بيان أن الأصل في المنافع الإباحة

استدلّ الفُقَهَاء بهذه الآيةِ على أنّ الأصل في المَنَافع الإباحة .

وقيل : إنها تدلُّ على حرمة أكل الطِّين ، لأنه خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض ، وفيه نظر ؛ لأن تخصيص الشيء بالذِّكر لا يدلّ على نفي الحكم عما عَدَاه ، وأيضاً فالمعادن داخلة في ذلك ، وكذلك عروق الأرض ، وما يجري مجرى البعض لها .

وقد تقدّم تفسير الخلق ، وتقدير الآية كأنه - سُبْحانه وتعالى - قال : كيف تكفرون بالله ، وكنتم أمواتاً فأحياكم ؟ وكيف تكفرون بالله ، وقد خلق لكم ما في الأرض جميعاً ؟

أو يقال : كيف تكفرون بقدرة الله على الإعادة ، وقد أحياكم بعد موتكم ، وقد خلق لكم كل ما في الأرض ، فكيف يعجز عن إعادتكم ؟ .

قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } .

أصل " ثم " أن تقتضي تراخياً زمانياً ، ولا زمان هنا ، فقيل : إشارة إلى التراخي بين رُتْبَتَيْ خلق الأرض والسماء .

وقيل : لما كان بين خلق الأرض والسماء أعمال أُخَر من جعل الجِبَال والبَرَكة ، وتقدير الأقوات ، كما أشار إليه في الآية الأخرى عطف ب " ثم " ؛ إذ بين خلق الأرض والاستواء إلى السماء تراخ .

و " استوى " : معناه لغة : استقام واعتدل ، من استوى العُودُ .

وقيل : علا وارتفع ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]

فَأوْرَدْتُهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ *** وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ الْيَمَانِيُّ فَاسْتَوَى{[1013]}

وقال تعالى : { فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ } [ المؤمنون : 28 ] .

ومعناه هنا : قصد وعمل . وفاعل " اسْتَوَى " ضمير يعود على الله .

وقيل : يعود على الدُّخَان نقله ابن عطية .

وهو غلط لوجهين :

أحدهما : عدم ما يدلّ عليه .

والثاني : أنه يرده قوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ }

[ فصلت : 11 ] .

و " إلى " حرف انتهاء على بَابها .

وقيل : هي بمعنى " عَلَى " ؛ فتكون في المَعْنَى كقول الشاعر : [ الرجز ]

قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ *** مَنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْرَاقِ{[1014]}

ومثله قوله الآخر : [ الطويل ]

فَلَمَّا عَلَوْنَا وَاسْتَوَيْنَا عَلَيْهِمُ *** تَرَكْنَاهُمُ صَرْعَى لِنَسْرٍ وَكَاسِرِ{[1015]}

وقيل : ثَمَّ مضاف محذوفٌ ضميره هو الفاعل ، أي : استوى أمره ، و " إلَى السَّمَاءِ " متعلّق ب " اسْتَوَى " ، والضمير في " فَسَوَّاهُنّ " يعود على السَّمَاء ، إما لأنها جمع " سماوة " كما تقدم ، وإما لأنها اسم جنس يطلق على الجمع .

وقال الزمخشري : " هُنَّ " ضمير مبهم ، و " سَبْعَ سَمَاوَاتٍ " تفسيره ، كقولهم : " رُبَّهُ رَجُلاً " ، وقد رد عليه بأنه ليس من [ المواضع التي يفسر فيها الضمير بما بعده ؛ لأن النحويين حصروا ذلك في سبع مواضع ]{[1016]} :

ضمير الشأن ، والمجرور ب " رب " ، والمرفوع ب " نعم وبئس " ، وما جرى مجراهما ، وبأول المتنازعين ، والمفسر بخبره ، وبالمُبْدَل منه .

ثم قال هذا المعترض : إلا أن يتخيل فيه أن يكون " سَبْعَ سَمَاواتٍ " بدلاً ، وهو الذي يقتضيه تشبيهه ب " رُبَّهُ رَجَلاً " فإنه ضمير مبهم ليس عائداً على شيء قبله ، لكن هذا يضعف بكون التقدير يجعله غير مرتبطٍ بما قبله ارتباطاً كلياً ، فيكون أخبرنا بإخبارين :

أحدهما : أنه استوى إلى السماء .

والثاني : أنه سوى سبع سماوات .

وظاهر الكلام أن الذي استوى إليه هو المستوي بعينه .

ومعنى تسويتهنّ : تعديل خلقهن ، وإخلاؤه من العِوَجِ ، والفُطُور وإتمام خَلْقهن .

قوله : " سَبْعَ سَمَواتٍ " في نصبه خمسة أوجه :

أحسنها : أنه بدلٌ من الضمير في " فَسَوَّاهُنَّ " العائد على " السَّمَاءِ " كقولك ، أخوك مررت به زيد .

الثاني : أنه بدل من الضمير أيضاً ، ولكن هذا الضمير يفسره ما بعده ، وهذا يضعف بما ضعف به قول الزمخشري المتقدّم .

الثالث : أنه مفعول به ، والأصل ، فسوَّى منهن سَبْعَ سموات ، وشبهوه بقوله تعالى : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا }

[ الأعراف : 155 ] أي : من قومه قاله أبو البقاء وغيره ، وهذا ضعيف لوجهين :

أحدهما : بالنسبة إلى اللفظ .

والثاني : بالنسبة إلى المعنى .

أما الأول فلأنه ليس من الأفعال المتعدية لاثنين .

أحدهما : بإسقاط الخافض ؛ لأنها محصورة في " أمر " و " اختار " وأخواتها .

الثاني : أنه يقتضي أن يكون ثَمَّ سماوات كثيرة ، سوى من جملتها سبعاً ، وليس كذلك .

الرابع : أن " سوى " بمعنى " صَيَّر " فيتعدّى لاثنين ، فيكون " سَبْعَ " مفعولاً ثانياً ، وهذا لم يثبت أيضاً ، أعني جعل " سَوَّى " مثل " صَيَّر " .

فصل في هيئة السماوات السبع

اعلم أن القرآن - هاهنا - قد دلّ على سبع سماوات .

وقال أصحاب الهيئة : أقربها إلينا كرة القمر ، وفوقها كرة عطارد ، ثم كرة الزّهرة ، ثم كرة الشَّمس ، ثم كرة المرّيخ ، ثم كرة المشتري ، ثم كرة زُحَل ، قالوا : لأن الكوكب الأسفل إذا مَرَّ بين أبصارنا ، وبين الكوكب الأعلى ، فإنهما يصيران ككوكب واحدٍ ، ويتميز السَّاتر عن المَسْتُور بلونه الغَالب كَحُمْرَةِ المريخ ، وصُفْرَة عطارد ، وبَيَاض الزهرة ، وزُرْقَة المُشْتري ، وكدرة زُحَل ، وكلّ كوكب فإنه يكسف الكوكب الذي فوقه .

فصل في الاستدلال على سبق خلق السماوات على الأرض

قال [ بعض المَلاَحدة ]{[1017]} : هذه الآية تدلّ على أن خلق الأرض قبل خلق السَّماء ، وكذا قوله : { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] إلى قوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } وقال في سورة " النازعات " : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا }

[ النازعات :27 ] إلى أن قال : { وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] وهذا يقتضي أن يكون خلق الأرض بعد السماء ، وذكروا في الجواب وجوهاً :

أحدها : يجوز أن يكون خلق الأرض قبل السماء إلاّ أنه ما دَحَاهَا حتى خلق السماء ؛ لأن التدحية هي البَسْط .

ولقائل أن يقول : هذا مُشْكل من وجهين :

الأول : أن الأرض جسم عظيم ، فامتنع انفكاك خلقها عن التَّدْحية ، وإذا كانت التَّدْحية متأخّرة عن خلق السماء كان خلقها لا مَحَالَةَ متأخراً عن خلق السماء .

الثاني : أن قوله : { خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ } يدلّ على أن خلق الأرض ، وخلق كل ما فيها متقدم على خلق السماء ، وخلق هذه الأشياء في الأرض لا يمكن إِلاَّ إذا كانت مدحوةً ، فهذه الآية تدلُّ على كونها مدحوة قبل خلق السّماء ، فيعود التَّنَاقض .

والجواب الثاني : أن قوله : { وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } يقتضي تقديم خلق السماء على الأرض ، ولا يقتضي أن تكون تسوية السماء مقدّمة على خَلْقِ الأرض ، وعلى هذا التَّقْدِير يزول التناقض .

ولقائل أن يقول : قوله : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } يقتضي أن يكون خلق السماء ، وتسويتها مقدماً على تدحية الأرض ، ولكن تَدْحِيَةَ الأرض ملازمة لخلق ذات الأرض ، وحينئذ يعود السؤال .

والجواب الثالث وهو الصحيح أن قوله : " ثُمّ " ليس للترتيب هاهنا ، وإنما هو على جِهَةِ تعديد النعم ، على مثل قول الرَّجل لغيره : أليس قد أعطيتك النعم العظيمة ، ثم وقعت الخُصُوم عنك ، ولعلّ بعض ما أخره في الذكر قد تقدّم فكذا هاهنا ، والله أعلم .

فإن قيل : هل يَدُلّ التنصيص على سَبْعِ سماوات على نَفْي العدد الزائد ؟

قال ابن الخطيب{[1018]} : الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يَدُلّ على نفي الزائد .

فصل في إثبات سبع أَرْضين

ورد في التنزيل أن السماوات سبع ، ولم يأت في التنزيل أن الأرضين سبع إلاَّ قوله { وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [ الطلاق : 12 ] وهو محتمل للتأويل ، لكنه وردت في أحاديث كثيرة صحيحة تدلّ على أن الأرضين سبع كما روي في " الصحيحين " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من ظَلَمَ قِيْد شِبْرٍ مِنَ الأَرض طُوِّقَهُ من سبع أرضين " {[1019]} إلى غير ذلك .

وروى أبو الضحى - واسمه مسلم - عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " الله الذي خَلَقَ سبع سَمَاواتٍ ومن الأرضِ مِثْلَهُنّ قال : سبع أرضين في كل أرض نَبِيّ كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم وعِيْسَى كعيسى " قال البيهقي : إسناد هذا عن ابن عَبَّاسٍ صحيح{[1020]} وهو شاذّ لا أعلم لأبي الضّحى عليه دليلاً{[1021]} .

و " السماء " تكون جمعاً ل " سماوة " في قول الأخفش ، و " سماءة " في قول الزّجاج ، وجمع الجمع " سَمَاوات " و " سماءات " ، فجاء " سِوَاهن " إما على أن " السّماء " جمع ، وإما على أنها مفرد اسم جنس ، وقد تقدّم الكلام على " السَّماء " في قوله : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ } [ البقرة : 19 ] .

قوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } هو : مبتدأ ، و " عليم " خبره ، والجار قبله يتعلّق به .

واعلم انه يجوز تسكين هاء " هُو " و " هي " بَعْدَ " الواو " و " الفاء " و " لام " الابتداء و " ثُمّ " ؛ نحو : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ } [ البقرة : 74 ] { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [ القصص : 61 ] { لَهُوَ الْغَنِيُّ } [ الحج : 64 ] { لَهِيَ الْحَيَوَانُ }

[ العنكبوت : 64 ] وقرأ بها الكسائي وقالون عن نافع ، تشبيهاً ل " هُو " ب " عَضُد " ول " هِي " ب " كَتِف " ، فكما يجوز تسكين عين " عَضُد " و " كَتِف " يجوز تسكين هاء " هُو " ، و " هِي " بعد الأحرف المذكورة ؛ إجراءً للمنفصل مجرى المتّصل ، لكثرة دورها معها ، وقد تسكن بعد كاف الجر ؛ كقوله : [ الطويل ]

فَقُلْتُ لَهُمْ : مَا هُنَّ كَهْيَ فَكَيْفَ لِي *** سُلُوٌّ وَلاَ أَنْفَكُّ صَبًّا مُتَيَّمَا{[1022]}

وبعد همزة الاستفهام ؛ كقوله : [ البسيط ]

فَقُمْتُ للطَّيْفِ مُرْتَاعاً فَأَرَّقَنِي *** فَقُلْتُ : أَهْيَ سَرَتْ أَمْ عَادَنِي حُلُمُ{[1023]}

وبعد " لكن " في قراءة ابن{[1024]} حَمْدُون{[1025]} : { لكنَّ هْوَ اللَّه } [ الكهف : 38 ] وكذا في قوله : { يُمِلَّ هُوَ } [ البقرة : 282 ] . فإن قيل عليم " فعيل " من " علم " ، و " علم " متعدّ بنفسه ، فكيف تعدّى ب " الباء " ، وكان من حقه إذا تقدم مفعوله أن يتعدّى إليه بنفسه أو ب " اللام " المقوية ، وإذا تأخر أن يتعدى إليه بنفسه فقط ؟

فالجواب : أن أمثله المُبالغة خالفت أفعالها ، وأسماء فاعليها لمعنى وهو شبهها ب " أفعل " التفضيل بجامع ما فيها من مَعْنَى المبالغة ، و " أفعل " التفضيل له حكم في التعدّي ، فأعطيت أمثلة المُبَالغة ذلك الحكم ، وهو أنها لا تَخْلُو من أن تكون من فعل متعدٍّ بنفسه أو لا .

فإن كان الأول فإما أن يفهم علماً أو جهلاً أو لا .

فإن كان الأول تعدت بالباء نحو : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ } [ النجم : 32 ]

{ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ الحديد : 6 ] و " زيد جهول بك " و " أنت أجهل به " وإن كان الثَّاني تعدّت ب " اللام " نحو : " أنا أضرب لزيد منك " و " أنا ضراب له " ، ومنه : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] ، وإن كانت من متعدٍّ بحرف جَرّ تعدّت هي بذلك الحرف نحو : " أنا أصبر على كذا " و " أنا صبور عليه " ، و " أزهد فيه منك " ، و " زهيد فيه " .

فصل في إثبات العلم لله سبحانه بخلقه

هذه الآية تدلّ على أنه لا يمكن أن يكون خالقاً للأرض وما فيها ، وللسماوات وما فيها من العَجَائب والغرائب إلا إذا كان عالماً بها محيطاً بجزئياتها وكلّياتها ، وذلك يدلّ على أمور :

أحدها : أن يفسد قول الفَلاَسفة الذَّين قالوا : إنه لا يعلم الجُزئيات ، ويدلّ على صحّة قول المتكلمين فإنهم قالوا : إنه - تعالى - فاعل لهذه الأجسام على سبيل الإِحْكام والإِتْقَان ، وكل فاعل على هذا الوجه ، فإنه لا بد وأن يكون عالماً بما فعله كما ذكر في هذه الآية .

وثانيها : يدل على فساد قول المعتزلة ، وذلك لأنه - سبحانه وتعالى - بين أن الخالق للشَّيء على سبيل التقدير والتحديد ، لا بد أن يكون عالماً به وبتفاصيله ، لأن خالقه قد خصّه بقدر دون قدر ، والتخصيص بقدر معين لا بُدّ وأن يكون بإرادة ، وإلا فقد حصل الرُّجْحَان من غير مرجّح ، والإرادة مشروطة بالعلم ، فثبت أن خالق الشَّيء لا بد وأن يكون عالماً به على سبيل التفصيل .

فلو كان العبد موجداً لأفعال نفسه لكان عالماً بها ، وبتفاصيلها في العَدَدِ والكميّة والكيفية ، فلمَّا لم يحصل هذا العلم علمنا أنه غير موجدٍ لأفعال نفسه .

وثالثها : قالت المعتزلة : إذا جمع بين هذه الآية وبين قوله : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] ظهر أنه - تعالى - عالم بذاته .

والجَوَاب : قوله تعالى : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } عام ، وقوله :

{ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [ النساء : 166 ] خاصّ والخاص مقدّم على العام .


[1011]:- البيت لرجل من همدان ينظر في شرح التصريح: 1/148، والمقاصد النحوية: 1/451، تخليص الشواهد: ص 165، وأوضح المسالك: 1/177، وخزانة الأدب: 5/266، والجنى الداني: ص 474، وشرح الأشموني: 1/81، والدرر: 6/239، وشرح شواهد المغني: 2/842، وشرح المفصل: 3/96، ولسان العرب (ها)، ومغني اللبيب: 2/434، وهمع الهوامع: 1/61، 2/157، والدر المصون: 1/171.
[1012]:- جزء من صدر بيت للعجير السلولي وتمام البيت: .................قال قائل *** لمن جمل رخو الملاط نجيب. ينظر خزانة الأدب: 5/257، 260، 9/473، والدرر: 1/188، وشرح أبيات سيبويه: 1/332، وشرح شواهد الإيضاح: ص 284، ولسان العرب "هربد"، "ها"، والإنصاف: ص 512، والخصائص: 1/69، ورصف المباني: ص 16، وشرح المفصل: 1/68، 3/96، والدر المصون: 1/171.
[1013]:- ينظر البيت في القرطبي: (1/254)، الدر المصون: (1/172).
[1014]:- ينظر البيت في رصف المباني: (431)، اللسان: (سوا)، البحر: (1/380)، القرطبي: (1/176)، الزجاجي: (1/509)، مجمع البيان: (1/157)، ديوان الحماسة للمرزوقي: (3/1541)، الدر المصون: (1/172).
[1015]:- ينظر البيت في القرطبي: (3/278)، مجمع البيان: (1/157)، البحر: (1/280)، الدر المصون: (1/172).
[1016]:- سقط في أ.
[1017]:- سقط في أ.
[1018]:- ينظر الفخر الرازي: 2/146.
[1019]:- أخرجه البخاري في الصحيح (4/223) كتاب بدء الخلق باب في سبع أرضين حديث رقم (3195)، (3/261) كتاب المظالم باب إثم من ظلم شيئا حديث رقم 453، 2452. ومسلم في الصحيح (3/1231 – 1232) كتاب المساقاة (22) باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (30) حديث رقم (1242/1612) وأحمد في المسند 6/64، 79، 252 وذكره المنذري في الترغيب 3/15 - وابن كثير في التفسير: 8/182 والهندي في كنز العمال حديث رقم (30362).
[1020]:- ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/238) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في "الشعب" و"الأسماء والصفات" وقال السيوطي: قال البيهقي: هذا إسناد صحيح لكنه شاذ ولا أعلم لأبي الضحى متابعا عليه.
[1021]:- في أ: مخالفاً.
[1022]:- ينظر همع الهوامع: (1/61)، الدرر: (1/37)، الدر المصون: (1/173).
[1023]:- البيت لزياد بن منقذ ينظر في خزانة الأدب: 5/244، 245، والدرر: 1/190، وشرح التصريح: 2/143، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ص 1396، 1402، وشرح شواهد الشافية ص 190، وشرح شواهد المغني: 1/134، ومعجم البلدان: 1/256 (أمليح)، والمقاصد النحوية: 1/259، 4/137، أوضح المسالك: 3/370، والخصائص: 1/305، 2/330، وشرح المفصل: 9/139، ولسان العرب (هيا)، ومغني اللبيب: 1/41، وأمالي ابن الحاجب: 1/456، الأشباه والنظائر 2/127، همع الهوامع: 2/132، الدر المصون: 1/173.
[1024]:- قرأ بها زيد بن علي، وعمران بن عثمان أبو البرهسم الزبيدي. انظر غاية النهاية: 1/604، والمحرر الوجيز: 1/117، والبحر المحيط: 1/289، والدر المصون: 1/177.
[1025]:- محمد بن حمدون أبو الحسن الواسطي الحذّاء، وهم فيه صاحب "التجريد" فسماه عليًّا، ووهم فيه الهذلي فسمّاه عبد الله، ثقة ضابط، على قنبل - وراجع ابن عون، وسمع الحروف من شعيب بن أيوب الصريفيني، قرأ عليه أبو أحمد السامري عرضا، وروى عنه القراءة أبو بكر بن مجاهد. كان من أهل الثقة والإتقان والضبط، توفي سنة 310هـ. ينظر الغاية: 2/135 (2983).