الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (29)

و{ خَلَقَ } : معناه : اخترع ، وأوجد بعد العدمِ ، و{ لَكُمْ }[ البقرة :29 ] معناه : لِلاِعتبار ، ويَدُلُّ عليه ما قبله ، وما بعده ، من نَصْب العِبَرِ : الإِحياء ، والإِماتة ، والاستواء إلى السماء ، وتسويتِها .

وقوله تعالى : { ثُمَّ استوى إِلَى السماء }[ البقرة :29 ] .

{ ثُمّ } هنا : لترتيب الأخبار ، لا لترتيب الأمر في نفسه ، و{ استوى } قال قومٌ معناه : علا دون كَيْفٍ ، ولا تحديدٍ ، هذا اختيار الطبريِّ ، والتقديرُ علا أمره وقدرته وسلطانه ، وقال ابن كَيْسَان معناه : قصد إلى السماء .

( ع ) أي : بخلقه واختراعه ، والقاعدةُ في هذه الآية ونحوها منع النّقْلَة وحلولِ الحوادثِ ويبقى استواءُ القدرةِ والسلطان .

{ فسَوَّاهُنَّ }[ البقرة :29 ] قيل : جعلهن سواءً ، وقيل : سوى سطوحَهُنَّ بالإملاس ، وقال الثعلبيُّ : { فَسَوَّاهُنَّ } ، أي : خلقهن . انتهى . وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خُلِقَ قبل السماء ، وذلك صحيحٌ ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء ، وبهذا تتفق معاني الآيات هذه ، والتي في سورة ( المُؤْمِنِ ) ، وفي ( النازعات ) .