فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (29)

{ خلق } أوجد بعد العدم ، وأنشأ واخترع .

{ استوى } ارتفع وعلا ، قصد إليها بخلقه وإبداعه .

{ فسواهن } أبدعهن مستويات وحسنهن .

{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } الله الذي يحيي ويميت وإليه المصير حقه أن يذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ويطاع فلا يعصى فعجيب ومنكر أن يجحده الجاحدون ومع تفضله بنعمة الخلق فقد أسبغ الآلاء والعطايا والرزق ولمنافعنا سخر لنا كوكب الأرض وما فيه- ولانتفاعكم به في دنياكم وذلك ظاهر وفي دينكم من النظر في عجائب الصنع الدالة على الصانع القادر الحكيم ومن التذكير بالآخرة وثوابها وعقابها لاشتماله على أسباب الأنس واللذة من فنون المطاعم والمشارب ، . . . والمراكب والمناظر الحسنة البهية وعلى أسباب الوحشة والألم من النيران والصواعق . . . والغموض والمخاوف- {[190]} { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سنوات } ربنا سبحانه أبدع الأرض وأوجدها في يومين وبارك فيها وقدر فيها أقواتنا في يومين فصارت أربعة أيام ثم خلق السماوات السبع في يومين فخلق السماوات والأرض في ستة أيام أي ما قدره ذلك لأن اليوم إنما يعرف ويتقصى بالدورة الفلكية المعلومة التي تكون سببا لليل والنهار وحين بدئ خلقهما لم يكن ثمة شمس ولا أرض ينشأ من دورانها وتحركها في فلكيها نهار وليل ومنهما يتكون اليوم ؛ - { ثم استوى } { ثم } لترتيب الإخبار لا لترتيب الأمر في نفسه ؛ والاستواء في اللغة : الارتفاع والعلو على الشيء ، قال الله تعالى : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك . . . }{[191]} وقال : { لتستووا على ظهوره . . }{[192]} وهذه الآية من المشكلات والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه ، قال بعضهم : نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها وذهب إليه كثير من الأئمة وهذا كما روى عن مالك رحمه الله أن رجلا سأله عن قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى }{[193]} قال مالك : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه وقال بعضهم : نقرؤها ونفسرها على ما يحتمله ظاهر اللغة . . وقال البيهقي : قوله { استوى } بمعنى أقبل صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء والقصد هو الإرادة وذلك جائز في صفات الله تعالى ولفظه { ثم } تتعلق بالخلق لا بالإرادة . . . { فسواهن سبع سموات } ذكر تعالى أن السموات سبع ، ولم يأت للأرض في التنزيل عدد صريح لا يحتمل التأويل إلا قوله تعالى : { . . . ومن الأرض مثلهن . . }{[194]} ، . . . وأنها سبع كالسموات السبع ؛ روى مسلم عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { وهو بكل شيء عليم } . . . فهو العالم والعليم بجميع المعلومات بعلم قديم أزلي واحد قائم بذاته-{[195]} .


[190]:ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري
[191]:سورة المؤمنون.من الآية28
[192]:سورة الزخرف. من الآية 13.
[193]:سورة طه الآية 5.
[194]:سورة الطلاق من الآية 12.
[195]:ما بين العارضتين مما أورد القرطبي.