الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

قوله تعالى : " ومن يسلم وجهه إلى الله " أي يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى . " وهو محسن " لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع . نظيره : " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " {[12612]} [ طه : 112 ] . وفي حديث جبريل قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . " فقد استمسك بالعروة الوثقى " قال ابن عباس : لا إله إلا الله ؛ وقد مضى في " البقرة " {[12613]} . وقد قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والسلمي وعبد الله بن مسلم بن يسار : " ومن يسلم " . النحاس : و " يسلم " في هذا أعرف ؛ كما قال عز وجل : " فقل أسلمت وجهي{[12614]} لله " [ آل عمران : 20 ] ومعنى : " أسلمت وجهي لله " قصدت بعبادتي إلى الله عز وجل ، ويكون " يسلم " على التكثير . إلا أن المستعمل في سلمت أنه بمعنى دفعت . يقال سلمت في الحنطة ، وقد يقال أسلمت . الزمخشري : قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : " ومن يسلم " بالتشديد ، يقال : أسلم أمرك وسلم أمرك إلى الله تعالى ، فإن قلت : ماله عدي بإلى ، وقد عدي باللام في قول عز وجل : " بلى من أسلم وجهه{[12615]} لله " ؟ [ البقرة : 112 ] قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله ، أي خالصا له . ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه . والمراد التوكل عليه والتفويض إليه . " وإلى الله عاقبة الأمور " أي مصيرها .


[12612]:راجع ج 11 ص 248 فما بعد.
[12613]:راجع ج 3 ص 279.
[12614]:راجع ج 4 ص 45.
[12615]:راجع ج 2 ص 74 فما بعد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

قوله تعالى : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( 22 ) وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 23 ) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } .

خص الوجه ؛ لأنه أشرف الأعضاء في الجسد من حيث الهيئة والصورة ، وفيه جماع الحواس . والمراد إسلام النفس كلها إلى الله بحسن التوجه إلى جنابه العظيم ، وتمام الخضوع والإذعان لجلاله الكريم ، والإقرار الكامل له بالإلهية ، والتجرد كليا من عبادة غيره من الأنداد والشركاء .

قوله : { وَهُوَ مُحْسِنٌ } مطيع لله فيما أمر ، ومُنته عما حذر منه أو زجر .

قوله : { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } عروة الثوب ، أي مدخل زره ، وعروة القميص أو الكوز ومحوهما : مقبضه . وجمعها عرى{[3658]} وتستعار العروة لما يوثَق به ويُعول عليه . و { الوثقى } القوية الثابتة . والوثيق أي الثابت المحكم . والموثق والميثاق بمعنى العهد{[3659]} والمعنى : أنه استعصم وتمسك بالحبل المتين المأمون انقطاعه . أو لا يخشى من تمسك به أن ينقطع .

وذلك هو شأن المؤمن الذي أخلص النية لله وأسلم وجهه إليه مُخبتا ومذعنا له بالامتثال والاستسلام . لا جرم أنه بذلك مستعصم بما لا ينقطع البتة ؛ لأنه رصين ومكين ومنيع .

قوله : { وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } إلى الله تصير الخلائق والأعمال يوم القيامة .


[3658]:المعجم الوسيط ج 2 ص 597، وأساس البلاغة ص 418.
[3659]:العجم الوسيط ج 2 ص 1011، والمصباح المنير ج 2 ص 322.