لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

" بسم الله " اسم كريم من تنصل إليه من زلاته تفضل عليه بنجاته ، ومن توسل إليه بطاعاته تطول عليه بدرجاته .

" بسم الله " اسم عزيز من تقرب إليه بمناجاته قابله بلطف أفضاله ، ومن تحبب إليه بإيمانه أقبل عليه بكشف جلاله وجماله .

قوله جلّ ذكره : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إن الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } : شهادةٌ للمنادَى بالشَّرف .

{ لاَ تُقَدِّمُواْ } أَمْرٌ بتحمُّل الكُلَف . قدَّمَ الإكرام بالشرف على الإلزام بالكُلَف أي لا تقدموا بحكمكم { بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } : أي لا تقضوا أمراً من دون الله ورسوله أي لا تعملوا من ذات أنفسِكم شيئاً .

ويقال : فقوا حيثما وُقِفْتم ، وافعلوا ما به أُمِرْتُم ، وكنوا أصحابَ الاقتداءِ والاتّباع . . لا أربابَ الابتداءِ والابتداع .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجرات مدنية وآياتها ثماني عشرة ، نزلت بعد سورة المجادلة . وهي من آخر ما نزل من القرآن الكريم ، إذ نزلت في السنة التاسعة من الهجرة . وتتضمن هذه السورة الكريمة حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة ، وتشمل مناهج التكوين والتنظيم وقواعد التربية والتهذيب ومبادئ التشريع والتوجيه ، ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها بمرات كثيرة ، حتى لقد سمّاها بعضهم " سورة الأخلاق " . وقد سميت " سورة الحجرات " لأن الله تعالى ذكر فيها بيوت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهي الحجرات التي كان يُسكن فيها أزواجه الطاهرات ، وذلك في عام الوفود . وكان بعض الوافدين أعرابا جفاة ، فكانوا ينادون من وراء الحجرات بأصواتهم الجافية : يا محمد ، اخرج إلينا . فكره النبي صلى الله عليه وسلم هذه الغلظة والجفوة ، ونزل القرآن الكريم بتعليم الناس حسن الأدب مع الرسول الكريم . { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون . . } .

والسورة مشتملة على تهذيب وتشريع من شأنها رسم معالم كاملة لعالم رفيع كريم . وذلك لما تحويه السورة من القواعد والأصول والمبادئ التي يقوم عليها هذا العالم ، وما فيها من جهد ضخم رصين ، تمثله توجيهات القرآن الكريم والتربية النبوية الحكيمة ، لإنشاء الجماعة المسلمة وتربيتها لإبداع ذلك العالم الرفيع الكريم .

وقد جاء في السورة الكريمة خمسة نداءات بلفظ { يا أيها الذين آمنوا } وجاء نداء واحد بلفظ { يا أيها الناس } لأن الخطاب كان عاما للمؤمنين والكافرين ، وذلك في الآية العظيمة التي تضع مبدأ أن الشرف والعظمة هو بالتقوى ، لا بالأحساب والأنساب ، في قوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم } .

افتتحت السورة بنهي المؤمنين عن الحكم بأي شيء قبل أن يأمر به الله ورسوله ، وعن رفع أصواتهم فوق صوت النبي الكريم ، وأثنت على الذين يخفضون أصواتهم في حضرته ، وندّدت بمن لا يتأدبون فينادونه من وراء الحجرات بأصواتهم الجافية . ثم أمرت المؤمنين بالتثبت من أخبار الفاسقين وضعاف الإيمان ، وبينت الحكم عندما يتقاتل فريقان من المؤمنين وماذا يفعل الباقون إزاء ذلك . ونهت المؤمنين عن استهزاء بعضهم ببعض ، وتعييب بعضهم بعضا ، وعن ظن السوء بأهل الخير ، وعن تتبع بعضهم بعضا ، ونهت الأعراب عن ادّعاء الإيمان قبل أن يستقر في قلوبهم . ثم بينت من هم المؤمنون الصادقون ، وختمت الحديث بالنهي عن المن على رسول الله بالإسلام ، فالمنة لله عليهم بهدايتهم إلى الإيمان ، إن كانوا صادقين { إن الله يعلم غيب السموات والأرض ، والله بصير بما تعملون } .

لا تقَدموا بين يدي الله ورسوله : لا تعجلوا بالأمر قبل أن يأمر به الله ورسوله . يا أيها الذين آمنوا لا تعجَلوا بأي أمر قبل أن يقضيَ الله ورسوله لكم فيه ، فلا تقترحوا على الله ورسوله أي شيء قبل أن يقول الله ورسوله فيه ، واتقوا الله وراقِبوه خَشيةَ أن تقولوا ما لم يأذن لكم الله ورسوله به . إن الله سميع لما تقولون ، عليم بما تريدون .

في هذه الآية الكريمة وما يليها تأديبٌ للصحابة وتعليم وتهذيب ، فقد طلَب الله إليهم أن ينقادوا لأوامر الله ونواهيه ، ولا يعجَلوا بقولٍ أو فعل قبل الرسول الكريم .

قراءات :

قرأ يعقوب : لا تقدموا بفتح التاء والدال ، والباقون : لا تُقْدموا بضم التاء وكسر الدال المشدَّدة .